الحلف الهندي مع إسرائيل والشراكة مع إيران

رغيد الصلح (الحياة)

تتمتع منظمة التعاون الاقتصادي التي تتخذ من طهران مقراً لها وتضم إيران، تركيا، باكستان، أفغانستان وجمهوريات آسيا الوسطى بمزايا هامة تسمح لها بأن تكون واحدة من التكتلات الإقليمية المهمة في العالم. فالمساحة الإجمالية لهذه الدول تصل إلى ثمانية ملايين كلم مربع، وعدد سكانها يصل إلى قرابة 416 مليوناً. وتحتوي هذه المنطقة على ثروات كبرى منها النفط والمياه. وبالنظر إلى توافر هذه الإمكانات الضخمة وإلى الحاجة إلى تحقيق التنمية السريعة والمستدامة، وعندما تحولت المنظمة عام 1985 إلى تكتل إقليمي يغلب عليه الطابع التنموي، أعرب مسؤولوها عن أملهم في أن تغدو سوقاً مشتركة على غرار السوق الأوروبية المشتركة.

وتكرر الإعراب عن هذه الأماني في مناسبات عدة تتصل بمشاريع التعاون الإقليمي التي تشمل دول المنطقة أو البعض منها. ومن هذه المناسبات الهامة، كان تزايد الحديث عن تطوير مرفأ تشاباهار الواقع في جنوب إيران. فالبعض كان يأمل بأن يتحول هذا المشروع إلى منعطف هام في تاريخ المنظمة بحيث تتحول إلى سوق إقليمية مشتركة. وقد عبر الأمين العام للمنظمة عن هذه الأمنية في تصريح له في أيلول (سبتمبر) 2011. بالمقابل، كانت إيران تعمل على تنفيذ المشروع في إطار التعاون الثنائي مع الهند. أما مساهمة الدول الأعضاء الآخرين في «ايكو» في مشروع تطوير المرفأ الإيراني فقد اقتصرت على الاستماع إلى شروحات قدمها المسؤولون الإيرانيون حول أهمية المشروع والمنافع التي يمكن لدول «ايكو» الحصول عليها عندما يوضع موضع التنفيذ.

عندما وقع الرئيس الإيراني حسن روحاني ورئيس الحكومة الهندي ناريندرا مودي الاتفاق، وصف بأنه اتفاق تاريخي وتوقع مودي أن يكون «علامة كبرى» على طريق تنمية التجارة القارية، أما روحاني فاعتبر أنه سوف يكون «رمزاً بالغ الأهمية للتعاون الثنائي بين بلدينا العظيمين»، وأن الاتفاق مهم لأنه يعكس تصميم البلدين على الارتقاء بعلاقاتهما إلى مستوى التعاون الاقتصادي الشامل. وامتدحت الصحافة الهندية الموالية لمودي ولحزب «باراتيا جاناتا» الذي يتزعمه الاتفاق، ونوهت بردود الفعل الإيجابية لدى الرأي العام الهندي ولدى رجال الأعمال بصورة خاصة. مقابل الترحيب الذي أعرب عنه مؤيدو حكومتي دلهي وطهران بالحدث، فقد صدرت ردود فعل متحفظة وناقدة بخاصة إزاء النتائج الاستراتيجية البعيدة المدى عن تطبيق الاتفاق. وتناولت هذه التحفظات اتفاق تشاباهار من ثلاث زوايا رئيسية:

أولاً: أثره على مستقبل منظمة «ايكو» إذ اعتبر معنيون بهذا الأمر أن الاتفاق وبما سيؤدي إليه من تداعيات، سيؤدي إلى إحالة هذه المنظمة إلى الاستيداع الكامل ويعطل مفاعيلها الإيجابية، إذا كانت لا تزال هناك إمكانية لإخراجها من مرقدها في طهران وتحريكها بحيث تتحول إلى واحدة من التكتلات الفاعلة في السياسة القارية والدولية. وجاءت بعض هذه الملاحظات في كتابات محللين عسكريين باكستانيين كانوا يأملون أن تقوم «ايكو» بدور مهم في حل واحتواء التوترات والنزاعات ذات الطابع الديني والمذهبي التي تشهدها دول جنوب ووسط آسيا حالياً فتنعكس على العلاقات بين الدول وتهدد الأمن والاستقرار القاري. كذلك جاء بعض هذه الملاحظات في تصريحات ومواقف معلقين ومحللين أملوا في أن تساعد مساهمة «ايكو» في تطوير مرفأ تشاباهار، وربما مرفأ غوادار في باكستان لاحقاً، على تعزيز التعاون الإقليمي على كل صعيد وبخاصة في مجال التنمية السريعة وانتشال الملايين من أبناء المنطقة من حال الفقر. ولكن المقاربة الثنائية التي انجبت اتفاق تشاباهار جاءت على حساب تعزيز دور الشراكة الإقليمية في التنمية.

ثانياً: إن حكومة مودي تعد من أكثر الحكومات الهندية المتعاقبة تعصباً ومغالاة. وفي هذا السياق تنصب الانتقادات بصورة خاصة على رئيسها شخصياً، فهو خريج الأجواء الدينية المتعصبة التي أدت إلى اغتيال زعيم الهند المهاتما غاندي لأنه التزم جانب التسامح. ولم تبارح نزعة التعصب الديني مودي حتى عندما تحول من معارض متهور إلى حاكم لولاية غوجارات الهندية. عندها وجهت إليه اتهامات خطيرة من بينها التحريض على حرق مسجد بابري، وعلى قتل معارضين بارزين وعلى التقاعس عن حماية المواطنين المسلمين. كذلك اتهم أيضاً بأنه بسط حمايته على متهمين بارتكاب مجازر دينية وعمل على تعطيل أحكام القضاء ضدهم، واتخذ مواقف معلنة في الدفاع عنهم وتبرير أعمالهم. وفي سائر الأحوال لم يبارح مودي نزعة التعصب التي رافقته حتى وصوله إلى تزعم حزب. وبلغ من غلو مودي وتطرفه الديني أنه أثار القلق حتى داخل حزب «باراتيا» وحمل عدداً من زعمائه على محاولة منعه من الوصول إلى رئاسة الحزب واستطراداً رئاسة الحكومة الهندية.

ثالثاً: إن مودي حوّل الهند إلى أهم شريك لإسرائيل في آسيا. إن إعجابه بإسرائيل وحرصه على صداقة الإسرائيليين بخاصة غلاة المتعصبين والمتطرفين بينهم ليست سراً. ولقد تغذى هذا الموقف تجاه إسرائيل، كما يقول منافسون له، من الاستثمارات الواسعة التي وظفتها إسرائيل ومناصرون لها في ولاية غوجارات إبان حكم مودي لها، ومن مساعدات مالية، كما يقول منافسون لحزب «باراتيا» أيضاً، قدمها لمودي أصدقاؤه في إسرائيل.

لئن كانت هذه الاتهامات المالية غير مؤكدة فإن من المؤكد أن مودي يأتي في مقدمة الحلفاء العالميين لإسرائيل. وتأكيداً على هذه الصفة فإن الهند اليوم هي في طليعة زبائن صناعة السلاح الإسرائيلية. ولا تنحصر مشتريات الهند من إسرائيل بالأسلحة فحسب، وإنما تشمل الآليات التي تستخدم في الزراعة والمياه والاتصالات بحيث أن نتانياهو قال باعتداد إن «السماء هي الحد الأعلى للعلاقة الثنائية بين الهند وإسرائيل». وتظلل هذه السماء التحول المستمر في موقف الهند المعلن تجاه إسرائيل، فقبل عام تقريباً امتنعت الهند لأول مرة في تاريخها عن تأييد تقرير أصدرته الأمم المتحدة يدين إسرائيل بسبب اعتداءاتها على غزة.

بديهي أن زعامة من طراز مودي لا تصلح لأن تكون شريكاً استراتيجياً وتاريخياً لأية جمهورية إسلامية، بما في ذلك الجمهورية الإسلامية في إيران. فضلاً عن ذلك فإن ضرورات السياسة الدولية قد تضطر دولة عربية أو أية دولة متعاطفة مع العرب ومناهضة للصهيونية ولإسرائيل، إلى التعامل مع دول لها وجهة نظر من الصراع العربي – الإسرئيلي مغايرة لوجهة نظر العرب والفلسطينيين. إن ضرورة السياسة الدولية قد تفرض على الدولة التي تعتنق الإسلام كدين لها، أن تتعامل في إطار المنظمات الدولية مع دول وحكومات لا تتحمس للدين الإسلامي. ولكن هناك فارقاً مهماً بين التعامل العادي مع مثل هذه الدول، وبين التوجه نحو عقد الشراكات الاستراتيجية والتاريخية مع حكومات تجاهر بالانحياز الصارخ إلى جانب إسرائيل، وتكن العداء الشديد للإسلام، أو لأي عقيدة دينية تبتعد عن العنف والعدوان.

هل يعني ذلك أن نتخلى عن الهند، أو عن الدول التي تساويها من حيث الأهمية؟ قطعاً لا. فالابتعاد عن مودي وأقرانه لا يعني الابتعاد عن ذلك البلد العظيم الذي هو أكبر الديموقراطيات في العالم. إن مودي لن يكون حليفاً لمن يناهضون التعصب الديني والعرقي. والحكومات التي تناهض مثل هذه الأفكار والنزعات لديها الكثير من الوسائل لكي تساهم في الوضع الدولي الذي أوصل مودي إلى السلطة. إن الهند التي أنجبت غاندي وحزب المؤتمر لم تختف إلى الأبد. فلنمد يد الصداقة إلى الهند القادمة تعجيلاً برحيل مودي وأمثاله.

 

اقرأ أيضاً بقلم رغيد الصلح (الحياة)

قبل أن تنجح مشاريع ترحيل الجامعة العربية

سباق السلام والإعمار في المنطقة العربية

ترامب عنصري مثل هتلر تجاه الشعوب والدول الأخرى

الاقتراع الإلزامي واللبننة الجديدة

«الديكتاتور العادل» وأزمة الحكم في العالم العربي

تركيا بين النظام الرئاسي والديموقراطية

قمة الأطلسي وانتقاء العدو المناسب

أوروبا والعرب … إذا حكمها اليمين المتطرف

العلاقات الروسية – الإسرائيلية إلى أين؟

تحسُّن طفيف ولكن مشجّع في الجسم العربي

هل هناك حاجة الى قمم عربية دورية؟

الاتحاد الأوروبي باقٍ

ورقة الصين العربية والفرص الضائعة

العروبيون اللبنانيون والعلاقات مع سورية

«إعادة التمحور» بين الشرقين الأدنى والأقصى

التعددية في لبنان تجربة مهمة للعرب

إرهاب ضد العرب في أوروبا

الحاجة إلى استراتيجية موحدة ضد الإرهاب

أخطار الحرب العالمية الثالثة بسبب الأزمة السورية

اليسار الجديد ومتاعب الإتحاد الأوروبي