هل من حلول للقطاع العام اللبناني؟

ربيع كمال الدين (الأنباء)

لا شك بأن الحرب الأهلية التي مر بها لبنان وامتدت لأكثر من خمسة عشر عاماً، “قصمت ظهر” القطاع العام اللبناني بأكمله وحولت معظم مرافق الدولة من مؤسسات مربحة إلى عبء لا تقوى هذه الأخيرة على دعمه أو تحمّله. إلا أن طريقة إدارة هذا القطاع والتدخلات السياسية السلبية فيه إضافةً إلى ضعف القدرات المالية والهدر والخمول الحاصلين فيه كانت من أهم الأسباب التي أدت إلى عدم التمكن من إعادة بنائه تطويره وإنجاحه. فهل من نهاية لهذا الواقع الأليم؟ وهل يمكن للدولة بكافة مؤسساتها أن تبقى بموقع المتفرّج على “إنهيار” بعض القطاعات، وإلى متى؟

إن واقع الدولة اللبنانية في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين على صعيد البنى التحتية وبعض المرافق العامة يكاد يكون كارثياً، فماذا  ُيقال للأجيال الحالية والقادمة إذا ما عُلم أنه في سبعينيات القرن الماضي كان لدينا سكة حديد تربط كافة أقطار الوطن وتصله بسوريا، كهرباء على مدار الساعة، مطار ومرفأ يُعتز بهما ويُعدان من الأحدث والأنجح في محيطهما إضافةً إلى شبكة طرق، إتصالات ومواصلات عامة كانت تعد في حينه من الأفضل في الشرق الأوسط. في جولة على الوضع الحالي لأهم المرافق العامة في الدولة يمكن تلخيصها بما يلي:

–         المواصلات : في المواصلات الحديثة اليوم ثلاثة أساليب رئيسية يُمكن أن يُعوّل عليها إقتصادياً عسكرياً وسياحياً وهي :

القطاع وما هو معتمد فيه عالمياً واقعه الحالي في لبنان
السكك الحديدية والقطارات: لا سيما السريعة منها (للبضائع وللركاب) معدوم، معظم السكك التي كانت موجودة قد سُرقت حتى أنه بعض الأراضي العائدة لها قد بُني عليها. وبالطبع قطارات لا يوجد.
الطرقات: لا سيما الطرق السريعة “الهاي واي” وما يضمه هذا القطاع من شاحنات نقل (للترانزيت وللاستعمال المحلي) اسطول باصات حديث ومركبات صغيرة حديثة أيضاً للمواطنين وللسواح الوضع العام مقبول كطرقات، إنما يلزم إستكمالها سريعاً في كافة المناطق وصيانتها الدائمة. أما في ما خص شبكة النقل العام فهي شبه معدومة، يلزمها إعادة بناء لوجستياً وإدارياً.
الطرق البحرية ومراكب النقل : التي تُستخدم لنقل البضائع بين المدن الساحلية إضافةً إلى الركاب على صعيد نقل البضائع، قد يحصل ذلك ربما بوتيرة خفيفة بين المرافىء اللبنانية، أما على صعيد الركاب فللأسف غير متوفر إطلاقاً.

–  الكهرباء : وهو القطاع الذي ُأُنفق عليه مليارات الدولارات منذ إنتهاء الحرب الأهلية (1990) وحتى يومنا هذا ولا زال يكبد الدولة الخسائر الأكبر، أضف إلى أنه لا يزال يخضع لنظام التقنين القاسي (أي أن الكهرباء تؤمن ما بين 12 إلى 18 ساعة يومياً فقط في معظم المناطق اللبنانية).

 إن هذا القطاع مقسّم إلى ثلاثة قطاعات رئيسية: الإنتاج، التوزيع والجباية وهي مرتبطة كلياً ببعضها البعض وأي فشل يصيب أحدها يؤدي إلى فشل القطاع بأكمله وقد أصبح من الواضح أن المشكلة الكبرى في قطاع الكهرباء هي في قطاع الإنتاج، فعلى مر السنين لم يصار إلى وضع خطط بناء معامل إنتاج عصرية تواكب زيادة الطلب على الطاقة أضف إلى بعض النكسات الكبيرة في هذا السياق والمتمثلة بما خلفه العدو الإسرائيلي من دمار في هذا السياق خلال الحروب المتكررة بعد إتفاق الطائف.

kahraba

–  شبكات المياه (للري والشفة):

قد تكون شبكات مياه الشفة مقبولة إلى حد بعيد، لا سيما وأن لبنان يتمتع بالعديد من الينابيع التي تكفي حاجته من المياه الصالحة للشرب إلا أن التغير المناخي العالمي والمتأثر فيه لبنان إلى حد بعيد، يجعل من المتساقطات (ثلوج وأمطار) تنخفض شيئاً فشيئاً، ما يهدد الينابيع وبالتالي مصادر مياه الشرب الحالية بأكملها، وهذا ما يستدعي وضع خطط ودراسات عاجلة للبحث عن خطط بديلة.

 بالإنتقال إلى مياه الري فحدث ولا حرج، هناك غياب شبه كامل لمشاريع بناء سدود للمياه فعالة ومناسبة تلبي الحاجات المتزايدة لمياه الري (نتيجة تغير مناخ لبنان)، وتساهم في انتاج الطاقة الكهربائية والعديد من الموارد والإستعمالات كالأسماك النهرية والسياحة وغيرها…

– الاتصالات:

لا شك بأن وضع قطاع الإتصالات اليوم بقسميه السلكي واللاسلكي في لبنان هو مقبول إلى حد بعيد. قد يكون وضع الهواتف الأرضية أو السلكية هو الأفضل، نتيجة تمكن الدولة وعلى مدى الأعوام الماضية من بناء بنى تحتية مقبولة في هذا القطاع تلبي مختلف الحاجات وبأسعار لا بأس بها، غير أن وضع الإتصالات اللاسلكية أو الخليوية يبقى غير ميؤوس منه. فهذا القطاع يعاني من مشاكل جمة منها سوء النوعية، فالكثير من الإتصالات الخليوية تنقطع دون سابق انذار ويلزمك أحياناً إعادة الأتصال مرتين أو أكثر لإكماله، كما أن تكلفتها على المواطنين مرتفعة جداً رغم ضعفها وتقطعها، إلا أن البنية الأساسية لهذا القطاع من مبانٍ ومحطات مركزية، محطات بث واستقبال إضافةٍ إلى معدات مواكبة للتكنولوجيا والتطورات العالمية أصبحت جيدة، كما وأن هذه البنية بأكملها قد أصبحت ملكاً للدولة اللبنانية، مما يعطيها هامش كبير للتحرك وتطوير هذا القطاع .

ogero

– الانترنت:

من المؤسف القول أن قطاع الانترنت في لبنان هو بوضع يرثى له، بالرغم من أهميته عالمياً نظراً لتداخله وحاجته في مختلف القطاعات الأخرى. كيف لا وهو الأكثر تكلفةً والأقل جودةً، يعاني من الإحتكار والفساد لا سيما وأنه في كل يوم يُكشف عن فضيحة جديدة فيه لا يعلم حقيقتها سوى سبحانه تعالى. فبالواقع لا يُعرف حتى تاريخه إذا ما كان وضع هذا القطاع البنيوي واللوجستي هو جيد ولا ينقصه سوى القرار السياسي الإداري لتحسينه بشكل فعلي، أم أنه لا يزال يفتقد الأساسيات في بنيته التحتية، من شبكة عامة تعمل بواسطة الألياف البصرية “FIBER OPTIC” إلى موزعات وشبكات فرعية تعمل أيضاً بهذا النوع من الأسلاك.

المرافىء والمطارات:

قد يكون وضع مرفأ بيروت جيد إلى حد بعيد بالمقارنة مع بقية مرافىء المنطقة، إلا أنه يبقى يلزمه الكثير من التحديث في منشآته، التطوير في إدارته لا سيما لجهة المراقبة والسرعة إضافةً إلى تحسين محيطه وتوسيع وتكبير قدرته على الإستيعاب. بالنسبة إلى المرافىء اللبنانية الأخرى (طرابلس، صور،…) فهي بوضع سيء إجمالاً ويتوجب وضع خطط فورية للنهوض بها وتطويرها.

في ما خص المطارات، فالمرفق الجوي المدني الوحيد في لبنان هو مطار رفيق الحريري الدولي، وهو يعد من المطارات الناجحة والنشطة في المنطقة، يلزمه الكثير من التحسينات والمعدات لمواكبة المعايير الدولية في الإجراءات الأمنية واللوجستية وقد أصبح مشروع هذه التحسينات قيد التنفيذ. أما بقية المطارات الموجودة في لبنان لا تستعمل سوى للأغراض العسكرية، رغم الحاجة الملحة لمطار مدني ثانٍ يخفف العبء ينشط الحركة الجوية أكثر ويخفف العبء عن المطار المركزي.

beirut-airport

تجدر الإشارة إلى أهمية الشركة الوطنية للخطوط الجوية (MEA) ونجاحاتها اللافتة والتي حوّلتها من شركة خاسرة تستنزف الدولة مالياً، إلى شركة مربحة (أكثر من مائتي مليون دولار سنوياً) تعمل على تطوير وتحديث أسطولها الجوي ومنشآتها باستمرار.

يتبيّن مما سبق أن معظم القطاعات والمرافق العامة اللبنانية هي بوضع صعب، وتحتاج إلى خطط طارئة للحد من تدهورها وإعادتها إلى السكة الصحيحة. فما هي السبل الأمثل لذلك؟ وهل يمكن أن تكون بعض أنواع الخصخصة هي الحل؟

إذا ما نظرنا إلى تجربة مختلف دول العالم المتطوّر وبعض دول العالم النامي التي نجحت بتطوير معظم مرافقها العامة، نرى أن النجاح الذي رافق هذه التجارب كان مرتبطاً والى حد بعيد باللجوء إلى الشراكة وبعدة أشكال ما بين القطاع العام والخاص. الخصخصة بمفهومها التقليدي لها عدة أنواع يمكن أن تطبق في العديد من القطاعات اللبنانية مثل سكك الحديد بواسطة عقد B.O.T  أو B.O.O، والإتصالات بواسطة عقد إدارة المرفق من قبل القطاع الخاص ضمن الشروط التي ترتئيها الدولة، إلا أن المفهوم الحديث للخصخصة يبقى الحل الأفضل لبعض القطاعات الحساسة والشائكة ومنها الكهرباء، ويُقصد هنا بتجزئة المرفق وإشراك القطاع الخاص في الأجزاء الأكثر كلفةً على للدولة، وينطبق ذلك في لبنان على الجزء المتعلق بانتاج الطاقة الكهربائية، وعليه يمكن مثلاً إعطاء تراخيص لعدد من الشركات لانتاج الطاقة وشرائها منها بأسعار تلائم الدولة وتمكنها من توزيعها على المستهلكين بأسعار مقبولة.

في النهاية، لا شك بأن الخصخصة بمعناها التقليدي والإجمالي لن تكون الحل الأمثل والوحيد للقطاع العام في لبنان، مع تسجيل إمكانية اللجوء إليه في بعض المرافق المحددة، إلا أن الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص يبقى حاجة وضرورة لأي حل نهائي ومتطور لمختلف مشاكل هذا القطاع.