هل يمكن وضع حد للفساد والهدر في لبنان؟

ربيع كمال الدين (الأنباء)

لبنان في أسوأ مرحلة من الفساد المخيف والهدر اللامتناهي، وهو على شفير الهاوية إقتصادياً، مالياً وما يعكسه ذلك إجتماعياً. منذ أيام قليلة صدرت لائحة الشفافية والمصداقية العالمية حيث تبيّن أنه قد أصبح في قعرها، فمنذ عدة سنوات وهو في حالة تراجع مخيفة قد تجعله “في حال الاستمرار” في مصافي الدول الفاشلة. وعليه، يُلاحظ أن مختلف شاشات التلفزة وكافة وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة قد إمتلأت ومنذ فترة طويلة ببرامج وتحقيقات تتناول مسائل فساد، هدر وفضائح مالية، إلا أنه نادراً ما سمعنا بنتيجة فعالة توصل إليها القضاء أو أي جهاز رقابي من هيئة التفتيش، ديوان المحاسبة ومصلحة حماية المستهلك وغيرها…. فهل من يحمي الفاسدين؟؟ وما هو سر العجز في إيقاف الهدر أو على الأقل الحد منه؟؟

لا شك بأن الفساد بكافة وجوهه وأشكاله قد نخر جسم الدولة اللبنانية بأكملها وأصبح من الصعب بمكان إن لم نقل من المستحيل أن تُعاد المصداقية والشفافية إلى معظم ادارات ومؤسسات الدولة، حتى أنه ولدى الكثيرين أصبح الفساد أو ما يسمى بـ”الإكرامية” عند الفئات الدنيا من الموظفين و”الحصة” عند كبار “المافيا”، نوع من ثقافة حياة أو شطارة عمل، طالما أنه لا حسيب ولا رقيب في هذه الدولة المشلولة. مع الإشارة إلى أن بعض الأجواء والهمسات توحي بأن مفاعيل هذا الفساد قد وصلت إلى بعض الأجهزة الأمنية والعسكرية إلا أن الإفصاح عنها أو التكلم بها يبقى “غير مرغوب فيه”.

الرشوة

في نظرة احصائية وتحليلية لمعظم “الإخبارات” والمعلومات التي تم التداول بها في هذه البرامج والمقالات أضف إلى بعض المعلومات الرسمية التي أفصح عنها يتبين لنا أن معظم الملفات الرئيسية تقع مسؤولية ضبطها على عاتق بعض الوزارات المحددة (داخلية، مالية، اتصالات..) إلا أن القرار السياسي يبقى غائباً و”المظلة” الطائفية في الوظائف لا سيما الفئة الأولى والثانية تبقى الغطاء الأكبر لأي فساد.

الملفات الأهم التي أثيرت حولها الشبهات وأصبح من اليقين أن لديها الكثير منه هي التالية:

– ملف الدوائر العقارية وملحقاتها بما تشمله من سمسرة واحتيال، فلا يخفينّ على أحد أنه يكاد يستحيل على أي مواطن أن ينجز أي من ملفاته العقارية صغيرة كانت أم كبيرة دون “البرطيل” للموظف أو للسمسار، ويكفي أن يُجرى أي إستطلاع على عينة من المواطنين ومن كافة المناطق والطوائف لنعلم علم اليقين مدى المعاناة التي يواجهونها والإبتزاز الذي يتعرضون له من بعض مخلّصي الملفات “السماسرة”.

والمؤسف في الموضوع أن طريقة المعالجة (إذا وُجدت النية) سهلة للغاية، فيكفي أن يُستدعى الموظفين ومخلصي المعاملات إلى القضاء المالي أو أي جهة قضائية أخرى وسؤالهم عن مصدر ثرواتهم وتطبيق مبدأ “من أين لك هذا” في محاكمة الفاسدين منهم وتغريمهم بإعادة كافة المبالغ غير المشروعة، ليرتدع الجميع ويتوقف الإحتيال لا سيما إذا ما ترافق ذلك مع حملة إصلاحات في بنية هذه الإدارة، وتشكيلات أو طرد لبعض الموظفين الفاسدين “وملحقاتهم من سماسرة وغيره”، أضف إلى تطوير للبرامج وتحديث للأساليب المستخدمة في المراقبة والمحاسبة.

الاملاك البحرية

– الأملاك البحرية والنهرية وما تخسره الدولة في هذا الملف، حيث قدّر بعض الخبراء المبالغ المتوجب على “المعتدين” دفعها للدولة بحوالي مليار دولار لتسوية وضعهم، إضافةً إلى مبلغ سنوي ما بين مائة ومائتين مليون دولار، إلا أن مختلف المصادر تُجمع على أن جميع المعتدين على الأملاك البحرية والنهرية محميين من قبل شخصيات نافذة في الدولة تمنع أو تؤخر صدور قانون ينظم ويسوي هذا القطاع.

–  الرسوم الجمركية لا سيما في مرفأ بيروت وغيره، حيث كشف أكثر من تقرير طريقة الإحتيال واللعب على القانون من قبل بعض الموظفين والسماسرة وذلك بتخفيض قيمة البضائع أو تغيير وصفها، مما يؤدي إلى خسائر كبيرة بالرسوم الجمركية المتوجبة للدولة وقد قُدر الهدر نتيجة هذا الفساد بأكثر من مليار دولار. وهنا يقتضي على القضاء وضع يده بشكل فوري على هذا الملف وربما تكليف خلية متخصصة من أحد أجهزة المخابرات بمراقبة سير العمل لفترة محددة تكون كافية لتغيير عقلية العمل في هذا المرفق العام.

مرفأ بيروت

– ملف النفايات الذي يبدو أنه يستعصي على الحل فكيف إذا بك بالمحاسبة، إضافةً إلى العديد من الملفات الأخرى المهمة كملف “أوجيرو”، الجامعة اللبنانية، بعض التلزيمات والعقود “الصفقات” أضف إلى  العديد من التوظيفات والتنفيعات من مستشارين ومساعدين، والمطلوب واحد هو رفع الغطاء عن جميع الفاسدين ومن يحميهم وكشف الحقيقة للرأي العام.

إذاً، مكامن الخلل والفساد الرئيسية باتت واضحة ومحددة المعالم في المكان والزمان، والمطلوب فعله الكثير  وبشكل سريع وفاعل ومن كافة المؤسسات، الجمعيات، الأحزاب، هيئات المجتمع المدني وغيرها “الحريصة على ما تبقى من البلد”… باتجاه الضغط على الهيئات الرقابية أولاً من هيئة التفتيش المركزي (التي لم تجتمع منذ فترة طويلة) وديوان المحاسبة وغيرهما، وعلى الأجهزة القضائية والوزارات المعنية ثانياً، للقيام بواجباتهم القانونية والأخلاقية، حيث أن الخطير في الموضوع أن عقلية الفساد والإطمئنان إلى عدم المحاسبة بدأت تتمدد وتتوسع لتصل إلى كافة مرافق ومؤسسات الدولة حتى الأمنية والعسكرية منها، ولا بد من إيقافها أو الحد منها بشكل رادع قبل فوات الآوان.