هل الإقتصاد اللبناني في خطر وما هي مقومات صموده؟

ربيع كمال الدين (الأنباء)

من المضحك المبكي في لبنان أن ما يصح علمياً ومنطقياً على كل أقطار العالم لا ينطبق على الوضع اللبناني إجمالاً، لا سيما الوضع الإقتصادي والإجتماعي.

فإذا نظرنا من الناحية الإقتصادية، نرى أنه لا يوجد قطاع متميز وقوي كفاية ليكون العامود الفقري للإقتصاد اللبناني. الصناعة وهي التي تبقى ضمن الصناعات الخفيفة والمتوسطة لم تتجاوز ومنذ القدم نسبة الـ25 بالمئة من الناتج الوطني في أحسن حالاتها، وهي اليوم تواجه منافسة أجنبية شديدة من الدول القريبة (الصناعات السورية والسعودية…) والبعيدة (المنتجات الصينية طبعاً، وباقي دول العالم).

أما الزراعة فحدث ولا حرج، تعاني وككل عام من الكوارث الطبيعية إضافة إلى منافسة أجنبية كبيرة وغياب خطة للدولة واضحة للحد منها ولدعم المزارعين عامة وخاصة الصغار منهم. أما القطاع الأشهر في لبنان والذي يُعد ومنذ القدم رافعة الإقتصاد اللبناني، وهو القطاع السياحي، فالوضع فيه مأساوي ويصلح فيه القول بأنه يعيش على التنفس الإصطناعي وبعض إبر المورفين، حيث أنه يرتبط وبشكل كامل بالوضعين الأمني والسياسي السائدين في البلاد، وهما بالطبع ليسا بحاجة لتعليق، أضف إلى الأتون السوري الملتهب بجوارنا.

وبالإنتقال إلى الجانب الإجتماعي، فقد يعجز أهم خبراء الإقتصاد والمال عن تفسير طريقة عيش المواطن اللبناني، فنفقاته قد تصل إلى ضعف مدخوله وهو يستمر في طريقة العيش نفسها والـ”بريستيج” ذاته. نادراً ما تجد عائلة لا تملك سيارتين أو أكثر، معجزةً أن ترى شاب أو فتاة لبنانية دون هاتف خلوي من الطراز الحديث، و…..الخ.

إذاً، ما الذي يجعل هذا الإقتصاد يصمد ولو بالحد الأدنى؟ وما الذي يمكن اللبناني من العيش بمظاهر ومتطلبات تفوق مدخوله بأضعاف؟

في قراءة تحليلية لمقومات صمود الإقتصاد اللبناني، والسبل الأنجع لاستمراره والدفع به نحو الأمام لا سيما ما يتعلق بالأمور الملحّة من مالية وحياتية وغيرها، من المفيد الإشارة إلى ما يلي:

الرئة القوية التي من خلالها يستطيع الإقتصاد اللبناني التنفس وتنشق معظم كمية الأوكسيجين الواجبة له هي تحويلات المغتربين اللبنانين التي بلغت وبحسب آخر تقديرات (بغياب البيانات الرسمية) ما يقارب 7.5 إلى 9 مليارات دولار سنوياً.

وذلك ما يفسر إستمرار ضخ العملات الصعبة في شرايين هذا الإقتصاد ويساعد في سياسة المصرف المركزي بالحفاظ على ثبات قيمة الليرة اللبنانية. وعلى الصعيد الإجتماعي يُلاحظ عدم خلو أي عائلة لبنانية تقريباً من وجود مغترب في صفوفها، ما يفسر بقاء طريقة العيش على حالها.

إنما وللأسف لا يزال هؤلاء المغتربون من  المهمشين ولم تُقدم لهم التسهيلات والمحفزات اللازمة، أولاً بدعمهم (ولو معنوياً) في البلدان المقيمين فيها من خلال متابعة قضاياهم وإشعارهم بأنهم ليسوا ضعفاء وأنه لهم وطن ودولة ترعى مصالحهم وتطالب بحقوقهم في حال المساس بها، مما يؤدي بهم إلى زيادة تحويلاتهم وإطمئنانهم إلى مصيرها، وثانياً بتسهيل الإجراءات والقوانين وإعطاء الحوافز اللازمة لتشجيع إستثمارهم في مختلف القطاعات الأقتصادية اللبنانية وجلب مزيد من الشركات ورؤوس الأموال الأجنبية معهم للقيام بذلك.

العامل الثاني الذي مكّن الإقتصاد من الصمود والدولة من الإيفاء بديونها وتخفيض فاتورتها هو إنخفاض أسعار البترول، وهي الفرصة التي وحتى هذه اللحظة لم تلتقطها الدولة اللبنانية كما يجب ولم تقم بالإستفادة منها، إن على الصعيد الإقتصادي والمالي أو حتى على الصعيد الإجتماعي.

إذا ما تكلمنا إقتصادياً، فإن الإنفاق العام بمجمله تأثر بذلك إيجاباً لا سيما فاتورة المحروقات العائدة لكهرباء لبنان وهي الأكثر كلفة للدولة، والسلطات لم تبذل جهداً مثلاً لتخزين كميات كبيرة منها بغية الإستفادة من الأسعار المتدنية لأطول فترة ممكنة، أو رفع الرسم على المحروقات قليلاً طالما أن سعر البرميل قد إنخفض أكثر من المتوقع، وهذا ما يساعد على إستمرار السيطرة على الدين العام، والعمل على وضع خطة للبدء بوقف نموه تمهيداً لمحاولة تخفيضه.

أما على الصعيد الإجتماعي المالي كان ولا يزال على الحكومة أن تبادر إلى بت سلسلة الرتب والرواتب بأسرع ما يمكن بعد إعادة درس أرقامها على ضوء الإنخفاض الحاد لأسعار المحروقات وما نتج عنها من إنخفاض في مختلف متطلبات الحياة.

تجدر الإشارة إلى أنه يجب إعادة النظر بأرقام السلسلة لكافة القطاعات والفئات ومن ضمنها ما أُقًر سابقاً (فئة القضاة وأساتذة الجامعة).

وصولاً إلى السبب الثالث ويتمثل بالنزوح السوري وأعداد اللاجئين السوريين الموجودين في لبنان، والذي قد يكون أقل أهمية ويُنظر إليه كعامل ضاغط على الدولة وسيء جداً على الأمن والإستقرار (وهذا صحيح)، إنما له مفعول ومردود إيجابي على الدورة الإقتصادية المالية إضافة إلى بعض السلبيات.

فكلنا يعلم أن الأكثرية الساحقة من هؤلاء النازحون يزودون بمساعدات مالية دولية وغالباً ما تكون بالعملات الصعبة تصرف في السوق اللبناني، مما يساهم بزيادة الطلب على البضائع والإستهلاك، تحريك السوق وضخ المزيد من السيولة فيه.

كما أن معظم العائلات السورية النازحة والميسورة نسبياً تقوم باستئجار منازل لا سيما في المناطق خارج بيروت وباسعار مرتفعة إلى حد بعيد، مما ساهم بتحسين وضع العديد من العائلات اللبنانية المالكة (بدءاً بشقة صغيرة وصولاً إلى عدة شقق أو مبنى).

على أنه يُسجل في المقابل الضغط الهائل على إستهلاك الكهرباء والماء، والبنى التحتية إجمالاً والتي تعاني أصلاً من عجز ونقص وخلل في الصيانة والتطوير.
ختاماً، واستناداً إلى القاعدة الأولى في الإقتصاد والإستثمار وهي الأمن والإستقرار، نرجو الإسراع في تسوية الملفات السياسية بدءاً بالملف الرئاسي وإستكمال بباقي المراحل كقانون الإنتخاب والحكومة وغيرها، لما لها من إنعكاس على الإستقرار الأمني، لا سيما وأن المقومات التي يستند ويرتكز عليها حالياً إقتصادنا الوطني والتي أشرنا إليها سابقاً، هي غير ثابتة وقد تتغير بين ليلة وضحاها، وتدخلنا معها في المجهول.