مخاطر الانقلاب السياسي على العلمانية والديمقراطية

رفيق خوري (الأنوار)

تركيا مهددة بالانتقال من سيناريو سيئ الى سيناريو أسوأ، وإن كانت الفرصة مفتوحة لسناريو أفضل. وليس أخطر من الكابوس الذي خرجت منه سوى الكابوس الذي يراد لها الدخول فيه. فما حدث هو أكثر مما وصفه الخبراء بأنه انقلاب عسكري على طريقة القرن العشرين سقط بقوة الشعب وتكنولوجيا القرن الحادي والعشرين. وما يحدث هو أكثر من رد فعل سلطة مدنية على محاولة عسكرية لإسقاطها وتسلم الحكم مكانها. ولا فرق، سواء كان وراء المحاولة الانقلابية الفاشلة الداعية الاسلامي المقيم في بنسلفانيا فتح الله غولن مؤسس جمعية خدمة والحليف السابق لحزب العدالة والتنمية أو كان ما حرّك الضباط هو الدفاع عن العلمانية والديمقراطية كما ادعوا في بيان الانقلاب، أو كانت اللعبة أكبر.
ذلك ان الغموض الذي لا يزال يلف كثيراً من خلفيات الانقلاب الفاشل يرافقه الوضوح الكامل في ما يفعله الرئيس رجب طيب اردوغان. والاجماع الحزبي والشعبي في تركيا وشبه الاجماع الاقليمي والدولي على رفض العودة الى الحكم العسكري والانقلابات على الحكومات المنتخبة ديمقراطياً يرافقه أيضاً التحذير من الاندفاع في انقلاب سياسي على الباقي من الديمقراطية. فالاعتقالات التي طالت آلاف الضباط والجنود وبينهم ١٠٣ جنرالات ومئات القضاة والمدعين العامين تبدو كأنها ضمن لائحة معدة سلفاً وتنتظر فرصة للخلاص مما سماه اردوغان الفيروس السرطاني الذي تشكله الدولة الموازية.

ولو كان هؤلاء مشاركين فعلاً في الانقلاب لما فشل أو لما فشل بسرعة.
ولا أحد يجهل ماذا يعني تطهير الجيش ومؤسسات الدولة في أنظمة العالم الثالث. فما رآه الجميع نصراً للديمقراطية في اسقاط المحاولة الانقلابية مهدّد بأن يصبح نصراً على الديمقراطية لمصلحة أردوغان وأحلامه السلطانية. وما ظهر خلال التصدّي لعسكر الانقلاب هو ان الحزب الحاكم له جيش مواز عبر الشرطة والمخابرات ونوع من ميليشيا شعبية. ومن الصعب توصيف ما تفعله السلطة وجماعاتها من حملة السلاح والعصي بأنه نزول عند المطالبة الأميركية والأوروبية والروسية لأردوغان بالعمل ضمن القانون واحترام الدستور.
وبكلام آخر، فان قوة تركيا هي في النموذج الذي تقدمه للشعوب العربية والاسلامية: نموذج نظام علماني يدير الحكم الديمقراطي فيه حزب اسلامي معتدل وينجح في تحقيق نهضة اقتصادية. لكن ما يحدث يوحي ان العلمانية في خطر، والديمقراطية في خطر، والدولة، لا السلطة، في خطر. والظاهر ان أردوغان لم يعد في حاجة الى قناع الاعتدال وتوصيف حزبه بأنه حزب اسلامي ديمقراطي محافظ على طريقة الأحزاب المسيحية الديمقراطية في أوروبا. فاللعبة صارت مكشوفة. وتركيا مركز الإخوان المسلمين والسلطنة الجديدة.

اقرأ أيضاً بقلم رفيق خوري (الأنوار)

أزمة حكم أعمق من الطابع الدستوري

صراع المصالح والعصبيات في نظام فيتوقراطي

أي ترجمة عملية لانتصارات بوتين؟

صراع ما بعد الحرب على داعش

حكومة هندسات سياسية وديمقراطية ممرات الزامية

تقاسم الخارطة السورية ومحاربة داعش بالتفاهم

واشنطن وطهران والرياض: أي موقع للبنان؟

أميركا والعالم: مخاطر ما بعد الانتخابات

فصل رئاسي في محنة أميركا

تحديات تحييد لبنان: أين ناصر عون؟

لبنان والمنطقة: معارك في حرب واحدة

شطرنج بوتين وأوباما: أي خيار في حلب؟

لقاء مضطرين لا تفاهم حلفاء

حسابات معركة الموصل: هل انتهت وظيفة داعش؟

كلفة تخطي بوتين للقياصرة والسوفيات

بوتين والقياصرة والسوفيات: ثوابت الجيوبوليتيك الروسي

الخلاف الأميركي – الروسي هو الوجه الآخر للاتفاق

خريف الأمم المتحدة: التفرّج على الجحيم

أوهام رهانين ثابتين في متغيرات سوريا

اتفاق كيري – لافروف ل تنظيم الحرب