الدرس البريطاني القاسي: هل يتعلم العرب؟

رفيق خوري (الأنوار)

البريطانيون نادمون. راحت سكرة التصويت بالأكثرية في الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبي، وجاءت فكرة التدبير بعد التقرير. فما اندفعوا فيه هو ما كان تاليران يحذّر الحكام من ارتكابه بتعبير شهير: أسوأ من جريمة، انها غلطة. وهم ارتكبوا كجماعة غلطة محكومة بمعادلة صعبة: لا مجال للتراجع عنها، ولا من السهل دفع أثمانها. وليس أمراً جديداً ان يذهب شعب الى الانتحار السياسي مدفوعاً بحملة أكاذيب وشيء من المخاوف الواقعية وشيء من الأحلام الوردية. فالتجارب كثيرة في حياة شعوب جرى دفعها الى الموت والخراب في الحروب وسواها، على طريقة هتلر الذي أكد الواقع قوله ان الشعوب تسقط بسهولة ضحية الكذبة الكبيرة أكثر من الكذبة الصغيرة. ونحن، في الشرق الأوسط، أكثر المحتاجين الى التعلم من الدرس البريطاني.

ذلك ان الهزات الارتدادية بعد الاستفتاء لا تزال تتوالى. وهي في بدايتها. والمفارقة هي إقدام الخاسرين والرابحين على الاستقالة. فمن الطبيعي ان يستقيل رئيس الوزراء ديفيد كاميرون الذي كان اجراء الاستفتاء من الوعود في حملته الانتخابية كزعيم لحزب المحافظين. وليس خارج المألوف ان تصوت أكثرية النواب في حزب العمال على نزع الثقة من زعيم الحزب جيرمي كوربن الرافض للاستقالة مع انه خاسر مثل كاميرون ومتهم بانه كان فاتراً في خوض معركة البقاء في الاتحاد الاوروبي.

لكن اللافت هو ما فعله الرابحان الكبيران والمحرضان على التصويت مع الخروج: بوريس جونسون ونايجل فاراج. جونسون الذي كان المرشح الاوفر حظا لخلافة كاميرون انسحب من السباق. وفاراج زعيم حزب الاستقلال يوكيب استقال من زعامة حزبه المتطرف بحجة انه حقق طموحاته السياسية.

والسر هو قلة الاستعداد لمرحلة ما بعد الاستفتاء وكثرة الحقائق الصعبة التي بدأ الاصطدام بها على طريق الطلاق مع اوروبا. فلا كاميرون تصور انه سيخسر، بحيث لم يرسم سيناريو الخروج. ولا جونسون وفاراج وضعا في حسابهما ربح الاستفتاء، بحيث يشتغلان على سيناريو الخروج. وعندما جاءت المفاجأة التي وصفت بانها سيئة لاوروبا ومرعبة لبريطانيا، كان على الجميع التهيب: كاميرون لم يشأ قيادة الطلاق الذي هو ضده. وجونسون وفاراج لا يستطيعان قيادة المرحلة الجديدة، ولا هما قادران على مواجهة الجموع التي قادوها بالاكاذيب لرفض البقاء وسيقودونها في الخروج الى دفع أثمان البقاء مع الخروج.

ولا احد يتوقع ان يستقيل أحد في هذا الشرق المضروب بالتخلف والتكفير والاستبداد، ومواجهة شعوب المنطقة والعالم بالقتل والانتحاريين، واجبار الشعوب العربية والاسلامية على الخضوع لاولياء الامور المستبدين او مواجهة الجوع والنفي والسجن والموت.

اقرأ أيضاً بقلم رفيق خوري (الأنوار)

أزمة حكم أعمق من الطابع الدستوري

صراع المصالح والعصبيات في نظام فيتوقراطي

أي ترجمة عملية لانتصارات بوتين؟

صراع ما بعد الحرب على داعش

حكومة هندسات سياسية وديمقراطية ممرات الزامية

تقاسم الخارطة السورية ومحاربة داعش بالتفاهم

واشنطن وطهران والرياض: أي موقع للبنان؟

أميركا والعالم: مخاطر ما بعد الانتخابات

فصل رئاسي في محنة أميركا

تحديات تحييد لبنان: أين ناصر عون؟

لبنان والمنطقة: معارك في حرب واحدة

شطرنج بوتين وأوباما: أي خيار في حلب؟

لقاء مضطرين لا تفاهم حلفاء

حسابات معركة الموصل: هل انتهت وظيفة داعش؟

كلفة تخطي بوتين للقياصرة والسوفيات

بوتين والقياصرة والسوفيات: ثوابت الجيوبوليتيك الروسي

الخلاف الأميركي – الروسي هو الوجه الآخر للاتفاق

خريف الأمم المتحدة: التفرّج على الجحيم

أوهام رهانين ثابتين في متغيرات سوريا

اتفاق كيري – لافروف ل تنظيم الحرب