قالها وليد جنبلاط بوضوح، فهل من يتعظ؟

أحمد حسّان

“الموضوع سياسي”… عبارة من كلمتين قالها النائب وليد جنبلاط بكل جرأة، من موقعه المسؤول كأحد أركان السلطة في لبنان، وكأنه يقول للجميع بأنه لا داعي للتلطي خلف أحكام الدستور والقوانين والأنظمة، فالخلاف بين الفرقاء اللبنانيين سياسي، ولا يحل إلا بالسياسة، أما التذرع بالدستور والقوانين والأنظمة، وبشكل إنتقائي وبما يتناسب مع هذا الفريق أو ذاك وتبعاً للمصالح الشخصية والفئوية، فلن يؤدي إلا إلى المزيد من تدهور الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والأمنية للبنانيين، ويعرضهم للدخول في الفوضى من بابها الواسع. فالخيارات أمام أركان السلطة والفرقاء السياسيين أصبحت أكثر من ضيقة، والأوضاع والتطورات الداخلية والإقليمية والدولية المحيطة بنا لا تبشر بحلول وانفراجات قريبة، بل هي تزداد تعقيداً وتهدد بتطورات لا يمكن الجزم بنتائجها.

walid-00

لا عيب في أن نعترف بأن الدولة اللبنانية، بجغرافيتها وحدودها الحالية، إنما نشأت بموجب تسوية على طاولة التسويات الدولية منذ ما بعد الحرب العالمية الأولى، وتم تركيب نظامها السياسي منذ الإستقلال بموجب تسوية أيضاً راعت التركيبة الفئوية والطائفية لمكوناتها ولموقعها الجغرافي والإقليمي ولانتمائها السياسي والقومي. ومنذ ذلك الحين، باستثناء الفترات التي تغيب فيها إرادة الوصاية الخارجية على لبنان، أصبحت الجمهورية اللبنانية ساحة للتسويات الداخلية والخارجية، وأصبح تعيين الحاجب أو عامل البلدية والموظف والجندي والضابط والمدير العام والوزير والنائب وحتى رئيس الجمهورية، بحاجة إلى تسوية يُجمع على تمريرها أصحاب النفوذ السياسي والطائفي والمالي، وإلا الفراغ…

أصبح من الواجب والملح على أركان السلطة اليوم أن يحولوا الأزمات المعيشية التي تغرق فيها البلاد إلى فرصة يكفروا فيها عن بعض خطاياهم التي يرتكبونها بحق الوطن والمواطن، بذريعة خلافاتهم السياسية، والمسارعة إلى الإتفاق على وضع حلول للأزمات الإجتماعية والإقتصادية والبيئية والخدماتية التي يعاني منها الناس، والتعامل مع هذه المشكلات والأزمات بواقعها الحقيقي والطبيعي كمسائل تقنية يمكن حلها عبر المؤسسات والخبراء والتقنيين وأصحاب الإختصاص، بدل تحويلها إلى أزمات ومعضلات يصعب حلّها وتصبح بحاجة لتسويات وترقيعات قانونية وسياسية وإدارية وفئوية، بل ويصبح حلّها منوط بحل القضايا القومية والإقليمية والدولية على مستوى المنطقة والعالم.

الحوار الوطني

هل نطلب الكثير من أركان هذه السلطة السياسية أن يتفقوا على تسويات لمواجهة هذه المشاكل وإنقاذ البلاد من الغرق في زبالتها كحد أدنى؟ أم نحن تعودنا على وجود وصاية خارجية تفرض الحلول والمخارج علينا؟

 نتمنى أن ألا ينسى أركان السلطة بأن معظمهم إنما جاء إلى حيث هو نتيجة تسويات طائفية ومالية وسياسية، وأن عليهم، ومن واجبهم، إجتراح التسويات والحلول للإحتفاظ بمراكزهم على الأقل، وغير ذلك هم يغامرون في اللعب والتلاعب بحاجات الناس والحد الأدنى من مطالبهم وحقوقهم المشروعة والبديهية، فهل من يتعظ قبل فوات الأوان؟

هل يريدون للمواطن أن يجلس في بيته خانعاً ويبتهل لأعجوبة في زمن إنتهت فيه الأعاجيب…