يوم السلام العالمي والجرأة في إدانة الفساد

أحمد حسّان

صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع على القرار 8282/55 الذي يعين تاريخ 21 أيلول من كل عام، يوماً للإمتناع عن ممارسة العنف ووقف إطلاق النار، ودعت كافة الأمم والشعوب إلى الالتزام بوقف للأعمال العدائية خلال هذا اليوم، وإلى إحيائه بالتثقيف ونشر الوعي لدى الجمهور بالمسائل المتصلة بالسلام.

ليس الهدف بالمطلق ربط هذا الكلام بما يجري من تحركات مطلبية يقوم بها المجتمع المدني من أحزاب وجمعيات ونقابات وافراد في لبنان، ولا هي محاولة للمساهمة في تدويل الأزمة الإقتصادية والإجتماعية والحياتية التي يعيشها اللبنانيون، فما نحن فيه من تعقيدات سياسية ودستورية وقانونية، وما مررنا به من حروب أهلية داخلية واحتلالات صهيونية غاشمة وحروب دولية على أرضنا، يجعلنا ندين ونحذر بالمطلق من ربط هذا الحراك المطلبي المحق بالتدخلات الخارجية.

الفساد

إن الحراك المطلبي الذي نشهده اليوم يدل على حيوية سياسية وإجتماعية عالية، ويعبر عن ضمير الناس الذين لم يعد يستطيعوا الإستمرار في حياتهم متجاهلين الضغوط الهائلة التي تمارس عليهم حتى في أبسط حقوقهم واحتياجاتهم، والمطالب التي ترفع لم تأت من فراغ، ولا يمكن أن يختلف عليها عاقلان، فالسلطة الحاكمة بمعظم رموزها أصبحت عاجزة عن تقديم أبسط الخدمات لمواطنيها، والفراغ كما الفساد والهدر ينخر بنيتها، فلا رئيس للجمهورية، ولا مجلس للنواب قادر على ممارسة دوره في التشريع والرقابة، ولا مجلس للوزراء فاعل وقادر على اتخاذ القرارات وتنفيذها لإدارة الدولة، ولا مجلس دستوري لمراقبة دستورية القوانين، ولا هيئات رقابية، ولا إدارات ومؤسسات عامة منتجة قادرة على خدمة المواطنين وتقديم الخدمات لهم، ولا قانون عصري للإنتخابات النيابية يحقق صحة التمثيل ويعيد تركيب السلطة وتجديدها.

ولا يمكن أن يلام المواطن على نزوله إلى الشارع بعد عقود من النهب المنظم والفساد والهدر الذي يمارسه أصحاب النفوذ السياسي والمالي والطائفي، فلا ماء، ولا كهرباء، ولا دواء، ولا استشفاء، ولا مدارس رسمية وجامعة وطنية على مستوى مقبول لتعليم الفقراء، ولا خدمات عامة تقدم للمواطنين، ولا سياسة إسكانية ووسائل نقل عامة، ولا تأمين فرص عمل لجيش من الخريجين وأصحاب المهن الحرة، ولا حماية للمواطن بوجه اليد العاملة الأجنبية…

إن المطالبة بتفعيل عمل مؤسسات الدولة ووضع حد للتعدي على أمن المواطن الإقتصادي والإجتماعي والصحي، ووقف النهب والفساد والهدر هو من أبسط البديهيات التي يجب أن يُجمع عليها اللبنانيون والتحرك من أجل فرضها، ولا يمكن لعاقل أن يقف ضد هذه المطالب أو الوقوف بوجه المطالبين بها، وكذلك لا يمكن أيضاً مطالبة هؤلاء المواطنين بإعطاء فرص جديدة لهذه الطبقة السياسية الحاكمة التي تجرأت حتى على إغراق اللبنانيين بالنفايات.

لكن، ومن باب دعم هذه التحركات، يجب التنبه إلى ضرورة قطع الطريق على من قد تسوّل له نفسه أن يستفيد من هذا الحراك ويأخذه إلى المكان الذي يذبح فيه الوطن من أعناق مواطنيه، وهذه مسؤولية ما تبقى من أركان الدولة ومؤسساتها الوطنية الحقيقية، ومسؤولية هيئات المجتمع المدني من أحزاب وجمعيات ونقابات، ومسؤولية الهيئات الإقتصادية التي تعتبر نفسها أم الصبي ومعنية باستقرار هذا الوطن والحفاظ على أمنه الإجتماعي والإقتصادي، لا تلك الهيئات التي تعتبر نفسها أكبر من الوطن، والتي تتعامل معه بصفته بقرة حلوب…

يبقى أنه في معرض البحث عن فرص ومناسبات لإعلاء الصوت والجرأة في إدانة الفساد وإعادة تجديد النخبة السياسية الحاكمة وتفعيل عمل مؤسسات الدولة الدستورية والأمنية والإدارية والخدماتية، نجد أن يوم السلام العالمي والذي يصادف في 21 أيلول هو فرصة مناسبة للدعوة إلى التعقل والتبصر والحكمة، فلا شيطنة التحركات المطلبية لتبرير ممارسة العنف في قمعها من قبل السلطة السياسية الحاكمة هو الحل، ولا الإستسلام للفوضى والتدخلات المشبوهة وحرف المطالب عن طريقها الصحيح هو الخلاص للمواطنين، إنما الحل يبقى هو في الإعتراف بحقوق الناس وإعادة الحق للمواطنين بتشكيل السلطة وانتخاب الأفضل الذي يقود البلاد نحو بر الامان، بعيداً عن الإستزلام والإنتماء الغريزي والفئوي والمناطقي، فلبنان يستحق منّا ذلك، ويستحق أبناؤنا أن يستردوا منّا هذا الوطن بأفضل مما إستعرناه منهم.