إستمعوا إلى هذا الرجل

أحمد حسّان

“… عودوا إلى الأصول وبناء الجوامع وإلى الفرائض الخمس…عودوا إلى الإسلام الحقيقي”.

هذا الكلام لم يصدر عن أحد مفتي أو مشايخ الجمهورية اللبنانية ولا عن شيخ عقلها، ولم يصدر في وعظ جماعة في مناسبة دينية، ولا هو في خطبة جمعة أو مجلس عاشوراء، بل قائل هذا الكلام هو رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي ورئيس كتلة جبهة النضال الوطني النيابية والنائب والزعيم الوطني والدرزي وليد جنبلاط.

هو كلام قيل بمناسبة وطنية جامعة تمثلت فيها الطوائف والمذاهب والأحزاب والشخصيات، وحضرتها جموع غفيرة من المواطنين اللبنانيين ومن مختلف المناطق والقرى والدساكر، قد يكون هذا الكلام فاجىء البعض في حينه، وقد يكون جرى التعليق عليه ومناقشته في أكثر من مجلس وجلسة، وفي أوساط المتدينين والمثقفين والعلمانيين وعامة الناس، ولكنه في الحقيقة لم يفاجىء الذين يعرفون تماماً ما هو المقصود بهذا الكلام وما يحمله من معاني وطنية جامعة. فقد عودنا وليد جنبلاط أن يقول كلاما واضحاً ويترك للآخرين أن يفسروه بحسب أهوائهم وتمنياتهم وما يرغبون به، ولكن أعتقد أن الصائب والحقيقي في كلامه هو ذلك الذي يتناسب مع طبيعة المشهد ودمويته وخطورة الأحداث وانعكاسها على الوطن وأهله.

أعتقد أن المقصود من هذا الكلام، وعلى غير ظاهره، هو إستبعاد المؤسسة الدينية عن حلبة الصراع السياسي في البلاد وانصرافها إلى متابعة الشأن الإجتماعي والإيماني والمعيشي والمطلبي للناس، وهو دعوة لنبذ الخلافات المذهبية والتلاقي على جوهر الدين القائم على التوحيد، وعلى أن الخالق واحد وما الاديان إلا تشريع ينظم عبادة الإنسان بخالقه وعلاقته بأخيه الآخر. وهو دعوة إلى شد أواصر وحدة المجتمع الذي طالما كان الجامع رمزاً لوحدته ومكانا يجتمع فيه الناس من مختلف المذاهب والطوائف والأديان لإيصال الشكوى للحاكم ومن بيت من بيوت الله له حرمته وعصمته، قبل أن يصادر هذا الجامع وتصادر وظيفته كمنبر للناس إلى منبر لبث روح الفرقة والعصبية والإقتتال بين الأخوة.

هو يعلم تماماً أن الذي يغلب على ثقافتنا الدينية اليوم هو خطاب آحادي وتحريضي وظلامي يريد أن يعيدنا إلى عصر الظلام والجاهلية، ويريد أن يحولنا من شعب واحد يبحث عن أفق أوسع من المساواة والمعرفة والحرية والوحدة، إلى شعوب منغلقة على ذاتها ومتحاربة مع نفسها ومع غيرها، شعوب تحتمي بمؤسساتها الدينية والعصبية والعشائرية على حساب حريتها ووطنيتها.

إن دعوته لبناء الجوامع تتجاوز معناها المادي إلى المعنى الوطني والوحدوي، وهي دعوة للحفاظ على وظيفة الجامع الإدارية والإجتماعية، وكمكان يجمع الناس ولا يفرقهم، ويعيد سلطة القرار للجماعة وليس للطائفة، ويؤكد على الإلتزام بمبدأ المساواة بين الأديان والأنساب والطوائف والمذاهب والعقائد، وتطبيق مبدأ المسؤولية الشخصية عن كل فعل أو جرم.

من الواضح تماماً أن الجولات المكوكية التي يقوم بها الزعيم وليد جنبلاط والتي طالت مختلف القوى السياسية والإجتماعية، وفي مختلف المناطق اللبنانية، إنما هي موجهة لعامة الناس في بيوتهم وحاراتهم وحقولهم ومصانعهم وقراهم، هو إستشعار للأخطار المحدقة بالوطن وبأهله وهي تعكس مدى القلق والتوتر والخوف مما ينتظرنا من موجات الإرهاب التي تضرب المنطقة العربية بأسرها وتهدد الاقليات في مستقبلهم ووجودهم وحياتهم، خاصة أن لبنان وطن الأقليات وساحة نموذجية للعيش الواحد والمشترك بينهم…

إستمعوا إلى هذا الرجل، فهو مسكون بهواجس هذا الوطن، ولا مصلحة له إلا في إستقراره وأمنه وأمانه، وهو لا يملك فيه أكثر من غيره سوى الحلم والأمل والعيش بكرامة في بيئة نظيفة خالية من الأحقاد ومن ثارات مضى عليها الزمن وأصبح أصحابها جزء من الاديم.

———————————————————

(*) أمين الإعلام في جبهة التحرر العمالي