إيران حارساً اقليمياً في “الجولان السوري”

د.قصي الحسين

إن “باسان” الخصيب الذي تذكره التوراة، ليس هو بالواقع سوى “الجولان” الحالي الذي لا يزال يحتفظ بأشجار البلوط، يقول د. أديب سليمان باغ في أطروحته التي تقدم بها لنيل درجة الدكتوراه من السوربون عام 1954، وموضوعها الجولان دراسة في الجغرافية الإقليمية، وترجمها له يوسف الخوري وآخرون، وصدرت عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق عام 1988. وقد استند في مقولته التاريخية هذه إلى المستشرق والعالم الجغرافي الفرنسيّ آتيان دونوماس في حديثه عن لبنان وحوران والجولان حيث يقول: “إن التوراة تقدم توضيحاً هاماً، إذ تجعل من الأرز شجرة مميزة لجبل لبنان والعرعر في جبل حرمون، وتخصص البلوط ببلاد باسان/ الجولان” (ص 226)

ويقدم ابن الجولان المرحوم د. باغ خلاصة هامة عن تاريخ اقليم الجولان حيث كانت الثروات الطبيعية في أرض “باشان/ الجولان” بالإضافة إلى طرق المواصلات بين دمشق وبيت المقدس والعقبة، وكثافة السكان في الجوار الاقليمي، مما يقدم لنا أسباب التنافس على إقليم الجولان بين الفراعنة في مصر والأموريين في بلاد الشام، وبين المصريين والحثيين، وما بين ملوك الفراعنة وملوك أشور. ويقول أيضاً: كان على أهالي الجولان احتمال نتائج النـزاع الحربي والسياسي بين الدول. ويضيف أيضاً: إنه بعد حروب طويلة بين المصريين والحثيين توصل الطرفان إلى وضع حدّ للنـزاع، وتم توقيع معاهدة سلام وتحالف شهدت عليها “آلهة جبل لبنان”، و”آلهة جبل سيريون- حرمون”. (ص 251)

وعثر الأركيولوجيون بحسب دراسة “باغ” على آثار للوجود العربي في الجولان تعود للألف الثاني قبل الميلاد. ولاحظوا أن التدمريين والأنباط والعرب الغساسنة إذ أقام هؤلاء كنائسهم فيه قبل الرومان. كذلك كان الجولان ملجأ الطائفة الدرزية في القرن الرابع عشر إلى جانب المسيحيين والسريان والعلويين أما قبيلة “أبي الفضل بن العباس” فقد نزلت القسم الشمالي من الجولان وأقامت فيه.

شكل الجولان إذاً أرض أديانٍ وطوائفٍ من جميع الأقليات وسط كتلة إسلامية بدت حاضناً لهم في الحقب الدولتية المتعاقبة. وكان الباحث الفرنسيّ weulersse يطلق على هذه المجموعة من الأقليات وخصوصاً المسيحية منها: “المسلمون اجتماعياً”. ولم يلبث أن أوجد النـزاع العسكري العربي/ الصهيوني (الإسرائيلي) شعوراً قومياً مشتركاً بين أهالي الجولان. وأسهم الاحتلال الإسرائيلي للجولان بتقوية عرى التلاحم بين مكونات جميع الطوائف، وجعلهم صفاً واحداً في وجه الاحتلال الإسرائيلي بعد حرب 1967.

إن وصول الرئيس حافظ الأسد متقدماً الطائفة العلوية للحكم، وإبرامه معاهدة فصل القوات في الجولان، كما وصول الثورة الإيرانية إلى السلطة كان مما يمهد لاسترجاع إيران دورها التاريخي كحارس إقليمي في الجولان الذي يتوسط جبل عامل والبقاع ويشكل معبراً استراتيجياً إلى القدس ودمشق والعقبة والقاهرة. ولهذا لم تبلغ مفاوضات كلينتون – الأسد (حافظ) في سويسرا غاياتها المنشودة وتسوية نتائج “حرب 67” واحتلال الجولان. والتحالف السوري الإيراني، كان يقف خلف باب المفاوضات العسيرة. وكان له حق الفيتو/ الرفض ولو همساً في أذن الرئيس السوري. مما حسم نتائج المفاوضات رفضاً.

وبعيد تعاظم الدور الإيراني اقليمياً من خلال بسط نفوذ إيران في سورية والعراق ولبنان وفلسطين، ومن خلال قدرتها على المناورة في الأزمات الإقليمية، وانحسار دور المعارضين العرب لها بعد اتفاقي جنيف النووي وجنيف الكيماوي، بات على اللاعب الدولي (أميركا) الذي ينظم دورة الحرب في سورية والمنطقة العربية، أن يلحظ بدقة دور إيران كحارس مرمى إقليمي في الملعب السوري. فالجولان لدى إيران كما لدى إسرائيل مركز جذابٌ استراتيجياً. أما الحرب السورية ولو في دمشق وحلب وحمص، فهي في الحديقة الخلفية له. ولهذا بات على الراعيين الدوليين أميركا وروسيا وخلفهما إيران والسعودية (العرب) كما إسرائيل أيضاً أخذ الظن الإيراني التاريخي بالجولان مأخذ الجد.

اقرأ أيضاً بقلم د.قصي الحسين

اليونان و”لا” تسيبراس

لبنان وتحولات القرن

مقهى جبل محسن

الفراغ

تعاطي التفاهمات