نظامنا الشمسي نشأته وتكوينه

توفيق نصر الدين

بدأ كل شيء منذ حوالي 4,6 مليارات سنة داخل سحابة سوداء كسحابة سديم رأس الحصان (Horsehead Nebula) داخل كوكبة أوريوني، سديم النفاثتين 29-2 وسديم السرطان وغيرهما مكونة من غبار وغازات كونية عندما بدأت تلتقي ببعضها البعض مدفوعة بقوة الجاذبية.

بهذا السؤال تتوضح عملية تكوين نظامنا الشمسي داخل مجرتنا درب التبانة: لماذا هذه السحابة بدأت تنهار على نفسها؟

إنهارت هذه السحابة على نفسها بعد انفجار هائل لما يسمى في علم الفلك بـ “المستعر الاعظم” أو إثنين منهما، والمستعر او ما يقال له باللغة الانكليزية (Super Nova) هو عبارة عن انفجار لنجم هائل الحجم والكم من الغازات والمواد يزيد حجمه بعشرات المرات عن حجم الشمس، وبقايا الانفجار لذلك المستعر بعد تناقص او نفاذ الحرارة والاشعاعات فيه تبقى عبارة عن غبار لامع وغازات تنتشر لمدة طويلة. اما في وسط المستعر فيبقى بما يسمى بنجمة ميتة، نجمة نيوترونية او بما يسمى الثقب الاسود، ولا يمكن مشاهدتها ولا حتى في اقوى المناظير الفلكية.

السحابة السوداء تلك انهارت على نفسها عندما تلبستها موجة انفجار المستعر الذي كان قريباً منها، فبدأت تلك الغبار والغازات المختلطة تتداخل فيما بينها وتدور حول نفسها بتأثير الجاذبية المتبادلة بين العناصر والمواد بشكل هائل السرعة، وان دوران الغبار والغازات وتحت تأثير فعل الجاذبية والضغط اندفعت كثير من تلك المواد الى وسط تلك الحلقة التي تدور فيها وبدأت تلك المواد تتكدس وتتكاثف أكثر حتى وصلت الى حالت ما يسمى إنسحاق المادة، أي انسحاق المواد وتحولها لمواد نووية بعمليتي التقلص والتكوين، وكانت في وسط تلك الحلقة قد بدأت تتكون بما يسمى بالشمس الاولية، أي كوكب الشمس الحالي في نظامنا الشمسي. تلك الحلقة الدائرية بدأت تأخذ أيضاً شكل بما يسمى القرص الكوكبي بعد مرورها بعلمية التسطح، وهو شبيه بالقرص الممغنط (CD) الذي نستعمله في حاسوبنا الالكتروني لتسجيل المعلومات.

ما اريد شرحه اكثر عن عملية سحق المادة بمثل أوضح هو كأننا نضع رمال كل الشواطئ البحرية في العالم داخل غطاء قنينة ماء بلاستيكية، وضغط كل ذلك الحجم الهائل من الرمال داخل الغطاء يؤدي الى تكاثف المادة المكونة وتراصها وفي النهاية الى انفجارها، وهذا ما حصل في انفجار الـ “بيغ بانغ”  وتم بعده بمليارات السنين تكوين نظامنا الكوكبي بنيازكه ونجومه وكواكبه وأقماره.

تلك الشمس الاولية في إحدى المراحل الخمس لتكوين النظام الشمسي في قلب السحابة بدأت تزيد حراراتها وترتفع تدريجياً نتيجة الطاقة المتازيدة من التفاعل النووي في داخلها، وكل ذلك كما ذكرت بفعل تأثير طاقة الجاذبية.

وخلال عملية تكون الشمس كنجمة كانت السحابة  قد استمرت في الدوران حول نفسها بكل المواد الغازية والصلبة التي تحويها، حيث كانت الاجسام الاكبر حجماً فيها تندفع نحو وسطها، اخذة شكل صخور، تدور في فلك السحابة نفسها وحول نفسها، ومع مرور الزمن بدأت تلك السحابة تتسطح وتأخذ شكل القرص الكوكبي، وهو نفسه هذا القرص مكون من مواد خاصة.

المواد في تلك السحابة هي صخور وجليد في حالاته المختلفة، منها ثاني اوكسيد الكربون،  وعندما بدأت تلك الصخور تصدم بعضها بعض لمرات عدة، الصغيرة منها تفتت اكثر وأكثر بفعل التصادم، أما الكبيرة منها والمتواجدة في مناطق الوسط للسحابة بدأت تشد اليها الاصغر حجماً بفعل عامل الجاذبية، وبارتطامهما ببعضهما البعض كانت الصخور الصغيرة تتفتت اكثر وتتداخل في الصخور الكبيرة وتنصهر بها تحت تأثير الحرارة لتزيد من حجمها.

استمرت تلك الصخور الكبيرة بدورانها في القرص الكوكبي لملايين السنيين، حيث بعد تشتت الغبار المتبقي خارج المجموعة الشمسية وعلى اطرافها وتفتت باقي مواد الصخور المنتشرة في كل انحاء السحابة وهي عملياً تعتبر المرحلة الخامسة والاخيرة لتكون المجموعة او كل النظام الشمسي الحالي اليوم الذي نشاهده، تحولت تلك الصخور او بتعبير اخر بدأت تأخذ شكلها الكروي، وكانت بحكم اختلاف احجامها واوزانها الكبير منها يجذب الصغير كما يحصل في حالة القمر الذي يدور حول الارض مدفوعاً بحركة الجاذبية بينهما. وهكذا دواليك الى ان وصلت الى تكوينات الكواكب الاولية ومنها هذا الكوكب الصغير الذي نعيش عليه، الارض.

في البداية تلك السحابة كان لها شكل يشبه قطعة من خيطان القطن مكدسة على بعضها البعض، او ما يشبه كيس ورق نقوم كما يقال في العربي الدارج بتطعيجه وجعلكته، وبعد اصطدام موجات انفجار المستعر بتلك السحابة بدأت تدور حول نفسها ويتكثف غبارها في الوسط وبعدها اخذت تتسطح اخذة شكل القرص الافقي الذي تكونت فيه الكواكب.

وأنثاء وصول الشمس الى تكوينها النهائي كانت الكواكب الاولية تستمر ايضاً في تكونها لتأخذ شكلها الحالي, وهناك أمر جدير بالذكر والمعرفة الا وهو، ويفترض ان يكون كذلك، ان في  المنطقة المتوجدة بين كوكبي المريخ والمشتري وعلى مسافة 2,7 وحدة فلكية (متوسط المسافة بين الارض والشمس 150 مليون كيلومتر) هناك وكما يعرف ما يمسى بخط الجليد حيث تتجمع الكوكيبات (Asteriods)، حيث ان في الاقليم الواقع ما بعد تلك المنطقة هناك امكانية تجلد المواد الخفيفة كالغازات، كغاز النيتروجين وغاز الامونيا، اما هناك في المنطقة الداخلية لمجموعة الكواكب المكونة وعلى الحدود الفاصلة مع منطقة تواجد كوكبي المريخ والمتشري تسمى الكواكب بالكواكب الارضية.

إن الكواكب وبنتيجة استمرارها في دورانها وبوصول الشمس الى الانتاج الطقوي النهائي التام تم تنظيف باقي غبار السحابة المنهارة من المدارات، حيث أُبعدت الغبار المتبقية الى اطراف المجموعة الشمسية، والكواكب جذبت المتبقي منها ليدخل في تكوين وتكبير احجامها.

عملياً ان الكوكيبات والنيازك هي الاساس في تكوين الكواكب يعني تحولها الى كواكب، وهي تحوي معلومات كثيرة يستحق الامر دراستها واختبارها علمياً في هذا النظام الكوكبي والشمسي، لأنها لم تندثر او تتشتت كباقي الغبار والمواد.

ملخص ذلك ان تكوين النظام الشمسي يتدرج بخمسة مراحل، انهيار السحابة البدائية وبعدها تجمع الغبار والغازات في وسط السحابة بفعل الجاذبية، ومن ثم إعادة التكوين للكواكب الاولية من الغبار الكونية ودورانها حول نجم الشمس، وصولاً الى التبلور الاخير والحالي للمجموعة كلها، وهذه العلمية على ما يعتقد استغرقت حوالي المئة الف سنة وذلك دون وصول اي مواد اخرى الى الارض.

(الأنباء)