ما يسمى بالثقوب السوداء.. ما هي دورها داخل المجرات؟

توفيق نصر الدين

كنت في مواضيع سابقة قد تكلمت عن ولادة النجوم وموتها وما تنشره في الكون بعد انفجارها من مواد ومعادن موجودة حتى داخل اجسامنا، مثل الحديد داخل كرويات الدم والكلسيوم الذي تحويه العظام، السيليكون والاوكسجين وغيرها من المعادن المتواجدة بكميات نزرة.

بعد الانصهار النووي للنجم لمئات وحتى مليارات السنين تبدأ طاقة إحتراقه بالنفاد ويدخل حالة بداية نهايته أو موته.

موت النجم يعني انفجاره و انفجاره يعني تحوله الى ما يسمى بـ “السوبر نوفا ”  أو المستعر الاعظم، وفي صميم ذلك الانفجار يظهر الحدث الغامض المسمى بعلم الفيزياء الفلكي بـ ” الثقب الاسود”.

ماذا يحدث بالحقيقة بتعبير مجازي داخل ذلك الثقب الاسود كما يسمى، وفي مجرتنا درب التبانة Milky way بالتحديد؟

قصدت بكلمة تعبير مجازي انه حسب رأي علماء الفيزياء ليس هناك من احداث لتحدث في الثقب الاسود، إنه انتهاء لحد الزمان والمكان,إنه ظاهرة تشويه الفراغ، مفهوم يصعب فهمه وتخيله بسهولة او بالاحرى مستحيل وغير ممكن، تشوه الفراغ وتغير في شكله وخصائصه، حيث أن الفراغ او مفهوم الفراغ بحد ذاته هو مفهوم اطلاقاً مجرد لا توجد دلالات قياسية أو معايير تحدد مقداره أو تدخله في فصائل العدد والكم او الكمية المقدرة، إنه الفراغ، إنه ما يعرف بالحيز الذي تتحرك فيه المادة ويخلق الفضاء بمرور الزمن، والثقب الاسود هو الافق الذي تنتهي في الاحداث ليصبح بما يسمى الزمكان حيث يستوي الزمان والمكان يصيران امراً واحداً.

الثقب الاسود الذي يفنى في داخله كل شي ويزول لما لكلمة زوال من معنى حقيقي, تتفتت وتفنى فيه النجوم والمجرات وكل ما هو مادة بالكون وحتى الضوء نفسه يندثر ويتلاشى في داخل الثقب الاسود، وهو بتعبير مبسط الوحش الكوني الذي يفني ويأكل كل شيء، ليس فقط “كواكب”، مذنبات، شهب، نيازك و“اجرام” بل مجرات برمتها وبمليارات النجوم التي تحويها.  وهذا الوحش الكوني الفيزيائي حسب النظرية نفسها له دور اساسي في خلق واعادة خلق “الكون” او الاكوان.

ألبرت أينشتاين العالم الفيزيائي المعروف في تفسير الظواهر الكونية بمعادلاته الرياضية بدت له ظاهرة إقحام الزمان بالمكان والذي يتمثل بظهور حد انتهاء الاحداث الكونية، أي بعبارة بسيطة لا زمان ولا مكان أو المسمى بالثقب الاسود، وبالحقيقة الفكرة لعالم فيزيائي مثل أينشتاين لم ترق له كثيراً ولم يصدق بها، ولكن بالحقيقة ومن اجل التأكد احياناً يبقى في معظم الاحيان الفرق شاسعاً بين النظرية والتطبيق في كل الامور فتثير مكانًاً للشك النسبي.

إن اكتشاف ظاهرة الثقب الاسود داخل مجرتنا باب التبانة، هذا المصدر الغريب من الطاقة، حدث منذ اكثر من سبعين سنة ومن خلال التلسكوبات والمراقيب، حيث تم سماع أمواج صوتية شبيهة بالتصفيرات الصادرة عن البخار، وكان لعالم الفلك إريك باكلين من جامعة كاليفورنيا/لوس أنجلوس دور بارز في ذلك، دراسة مصدر طاقة صوتي يدعى “ساجيتاريوس أ”، وهناك مصادر علمية متعددة تبحث في ذلك المجرات تحتوي ملايين من هذه الثقوب التي تدخل فيها وتفنى من دون أن تخرج كل المادة المتنوعة بأشكالها في الكون.

الثقب الاسود ساجيتاريوس A يبعد عنا حوالي ال 26 الف سنة ضوئية، وبالحقيقة داخل مجرتنا “درب التبانة” هناك على ما يبدو ليس ساجيتاريوس بلا الملايين من الثقوب، وهي اكبر واكثر قدرة تدميرية قد تفنى بداخلها مجرات مؤلفة من مليارات حتى عشرات مليارات النجوم والكواكب معا، فعملياً مقارنة مع انفجاري القنبلتين النوويتين اثناء الحرب العالمية الثانية التي القياتا على اليابان قوة الانفجار داخل الثقب الاسود تقارن بترليونات القنابل النووية.

*مترجم، باحث وناشر مستقل