مجلس الأمن أمام الامتحان

د. ناصر زيدان (الخليج الإماراتية)

في 24/8/2016 سلّم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، أعضاء مجلس الأمن الدولي تقرير التحقيق المشترك الذي اعدّته لجنة مشتركة مؤلفة من خبراء من المنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيمائية، ومن الأمم المتحدة، التي أنشئت بموجب قرار بالإجماع صدر عن المجلس في 7 أغسطس/ آب 2015، وتضمّن تكليف هذه اللجنة بالتحقيق الشامل في استخدام الأسلحة الكيميائية المحظور في سوريا بين العام 2013 والعام 2015. وتحديد المسؤولين عن وقوع الهجمات القاتلة التي ذهب ضحيتها آلاف السوريين، لاسيما من الأطفال والنساء.

وكان العالم انشغل في 21/8/2013 بمشاهدة صور المأساة الإنسانية التي حصلت في الغوطة – شرق دمشق – التي تسيطر عليها المعارضة، حيث مات مئات الأطفال بالاختناق من جراء قصف بقنابل غاز السيرين القاتلة. وقد اتهمت أجهزة الاستخبارات في الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وفرنسا في حينها، قوات النظام في سوريا بارتكاب المجزرة، بينما شكّكت روسيا في هذه التقارير، متهمة المعارضة باستخدام هذا السلاح.

وانعقد مجلس الأمن الدولي بعد المجزرة، وصدر عنه القرار رقم 2118 الذي يطلب فيه من الحكومة السورية الشروع الفوري بتسليم مخزونها من الأسلحة الكيميائية، وإلا سيضطر المجتمع الدولي لضرب القوات الحكومية وإجبارها على تسليم هذه الأسلحة. ولتلافي التدخل الدولي لإنقاذ المدنيين؛ وافق النظام على تسليم مخزونه من الأسلحة الكيماوية، وفتح المستودعات أمام الخبراء الدوليين، ولكن بعض الشكوك تدور حول بقاء جزء من المخزون بأيدي قوات النظام، وأن جزءاً آخر قد يكون وصل إلى أيدي منظمة «داعش» الإرهابية، وفقاً لما صرّح به الأمين العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية أحمد أُزمشو.

تمَّ إحصاء 11 عملية ظهرت فيها عوارض على الأشخاص جراء استخدام أسلحة كيميائية في عدد من المناطق حول دمشق، وحول مدينتي حمص وحماه، بينما وقعت مجزرة كيميائية في بلدة مارع التي يُسيطر عليها النظام في ريف حلب، وتحدثت تقارير عن مسؤولية «داعش» عن هذه الواقعة المأساوية.

تقرير لجنة التحقيق الذي رُفع إلى الأمين العام؛ يُشير إلى مسؤولية النظام في سوريا و«داعش» عن الهجمات. والتقرير الذي جمع الأدلَّة، والتحقيقات في 9 مواقع حصلت فيها هجمات كيمائية؛ فيه تأكيدات دامغة عن المشاركين في هذه الجرائم الدولية، من أشخاص وجهات حكومية وغير حكومية. ذلك لأن نظام المحكمة الجنائية الدولية الذي أقرته اتفاقية روما للعام 1998، لا ينص على حصانات للموقِع، فهو يحاكم الأشخاص المُرتكبين بذاتهم، مهما كان موقعهم، أو مسؤولياتهم، إذا ما كانوا مُشاركين، أو مُحرضين، أو أنهم قد أصدروا الأوامر.

مهما يكُن من أمر، فإن مجلس الأمن سيناقِش التقرير. ومنطق الأمور يفرض على هذا المجلس الذي شكَّل لجنة التحقيق سابقاً، أن يقبل نتائج عملها المُضني. وقبول النتائج يعني بطبيعة الحال: إحالة المُتهمين من النظام ومن «داعش» إلى القضاء الجنائي الدولي، وبالتالي فإن المحكمة في لاهاي لا تأخُذ بالحصانات التي تعطيها القوانين المحلية للرؤساء وللمسؤولين الآخرين.

الأجواء التي تُحيط بحراك أعضاء مجلس الأمن؛ تُشير إلى موافقة شبه شاملة من قبلهم لإحالة ملف الانتهاكات الكيميائية السورية إلى محكمة الجنايات الدولية، ولكن تجارب العام 2012؛ كانت مُخيبة للآمال، بحيث استخدمت روسيا والصين حق الفيتو مرتين في مجلس الأمن لمنع إحالة الجرائم التي ارتكبت ضد الإنسانية في سوريا للمحكمة الدولية.

إحالة الجرائم الكيمائية في سوريا إلى محكمة الجنايات الدولية، يعني أولاً أن هناك قراراً دولياً جدياً بالقضاء على منظمة «داعش» الإرهابية، لأن ملاحقات أفرادها في دول العالم سيخنق حركة المنظمة، وسيؤدي إلى توقيف فوري لكل المطلوبين من أفرادها من قبل سلطات الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وهؤلاء ملزمون بتطبيق الأحكام الدولية، وفقاً للقانون الدولي، خصوصاً ميثاق روما للعام 1998. إضافة إلى مثول مسؤولين في النظام السوري أمام المحكمة بناءً لمعلومات أوردها التقرير الدولي المنوه عنه أعلاه.

..ودائماً فالمُستفيد من كل ما يجري «إسرائيل» ومعها كل المتربصين بالعروبة والإسلام.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الخليج الإماراتية)

واشنطن وبكين وبحر الصين الجنوبي

إدلب والحسابات الاستراتيجية الدولية

مصر والتوازنات الاستراتيجية الجديدة

موسكو تحصد نجاحات غير متوقعة

قرية «بانمونجوم» ومستقبل المخاطر النووية

العدوان المتجاوز كل الحدود

سكريبال والحرب الدبلوماسية الساخنة

عن العقيدة السياسية للدول الكبرى

لماذا صواريخ «إس 400» في جزيرة القرم؟

روسيا في العام2017

الحوار الأوروبي الإفريقي والقنابل الموقوتة

استراتيجية روسية جديدة في الشرق الأوسط

استفتاء كردستان ليس حرباً عربية – كردية

أفغانستان الجريحة

مؤشرات التطرُّف المُقلِقة

توازن الرعب في أقصى الشرق

أخطر مُربع في الصراع

الموصل مدينة العذابات الكبرى!

واشنطن وبيونج يانج و«الصبر الاستراتيجي»

جُزُر الكوريل وتوترالعلاقات الروسية اليابانية