موسكو تحصد نجاحات غير متوقعة

د. ناصر زيدان (الخليج الإماراتية)

لا يمكن تحديد الأرباح السياسية التي جنتها روسيا خلال هذا الشهر لكثرتها؛ منها ما كان متوقعاً، أو مُخططاً له، ومنها ما كان بفعل المُصادفة السياسية، أو بسبب أخطاء الغير.

وفي الحالتين لا يمكن التقليل من شأن التطورات العالمية التي حصلت، حيث لم يسبق أن شهد شهر واحد، مثل هذه الأحداث السياسية منذ فترة طويلة.

تزامن انعقاد قمة الدول الكبرى الاقتصادية السبع في كندا، مع انعقاد قمة مجموعة شنجهاي في كينجداو شرقي الصين في العاشر من يونيو 2018. الأولى في كندا، غابت عنها موسكو، بفعل إبعادها عن المجموعة التي كانت تُسمى 7+1(أي 7+ روسيا)، وتوقفت المجموعة عن دعوة روسيا منذ 2014، تاريخ ضمّ روسيا لجزيرة القرم. بينما القمة الثانية في الصين حضرتها إيران كضيف لأول مرة، بناء على رغبة روسيا.

في قمة كندا اختلف الحلفاء على ملفات التجارة الدولية، ووصل الأمر إلى حد إطلاق الشتائم بين المسؤولين الكنديين والمسؤولين الأمريكيين ضد بعضهم بعضاً، بينما في قمة مجموعة شنجهاي، كان الانسجام كبيراً بين قادة المجموعة، لاسيما رؤساء الصين وروسيا وإيران.

وبطبيعة الحال، فإن تأسيس هذه المجموعة في العام 2001 كان موجهاً ضد السياسة الأمريكية.

بلورت هاتان القمتان شكلاً جديداً من الصراع الدولي، ومن المؤكد أن التعددية القطبية ترسَّخت أكثر فأكثر معهما، ومع أحداث أخرى جرت على هامش هاتين القمتين أيضاً.

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انتقل من كندا مباشرة إلى سنغافورة، حيث كان بانتظاره الزعيم الكوري الشمالي الشاب كيم جونج أون، وعقد الجانبان اجتماعاً هو الأول بين رئيسي البلدين اللدودين. وصف البيت الأبيض مناقشات الاجتماع بأنها كانت أفضل من المتوقع، وقد صدر بيان مشترك عن الجانبين تضمَّن عناوين مهمة، قد تكون مدخلاً لحل إشكالية نووية كان العالم مشدوداً إليها؛ نظراً لخطورتها الكونية، بحيث وصل التهديد المتبادل بين الرئيسين في بداية العام، حداً لا يمكن الركون إليه، لاسيما عندما عمّم كيم صورة له وأمامه على الطاولة هرة وأزرار آمرة لتحريك السلاح النووي.

اغتبطت موسكو لرؤية الخلاف في كندا بين الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الكندي؛ لأنها لم تُدع إلى القمة. واغتبطت أكثر عندما شاهدت الاجتماع بين صديقها الزعيم الكوري الشمالي والرئيس الأمريكي؛ لأنها اعتبرته رضوخاً أمريكياً لما طالبت به موسكو سابقاً، من أن يكون الحل للسلاح النووي الكوري الشمالي من خلال الحوار.

وقد عرضت موسكو على الجانبين الأمريكي والكوري الشمالي، المساعدة لتوفير أرضية مناسبة لتنفيذ اتفاق سنغافورة.
وبطبيعة الحال، فإن تنفيذ كامل البنود التي وردت في البيان الختامي الصادر عن قمة سنغافورة، سيُحقق مكاسب واسعة لموسكو. فمن ناحية سترتاح من ترسانة نووية، إلى جانب حدودها الشرقية، ومن ناحية ثانية، فإن رفع الحصار ورفع العقوبات الدولية عن كوريا الشمالية، سيُحقق أرباحاً للاقتصاد الروسي؛ كونها الشريك التجاري الأساسي لكوريا الشمالية مع الصين.

وذكرت بعض المعلومات، أن بند الكشف عن رفاة ضحايا حرب العام 1952 بين الكوريتين، ستستفيد منه روسيا؛ لأن بعضاً من المواطنين أو الجنود الروس اختفوا في تلك الحرب.

ومما زاد الاغتباط السياسي الروسي في يونيو الحالي، تسليط الإعلام العالمي الضوء على أهم حدث رياضي؛ أي مباريات كأس العالم في كرة القدم، التي تجري هذه المرة في روسيا. وإجراءات التحضير لهذه المباريات، كما ترتيبات تنظيمها، فرض بعض التجاوز للعقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي ومعه الولايات المتحدة الأمريكية على روسيا.

وأكثر من ذلك، فقد بدا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مُنشرحاً حتى الثمالة إبان مشاهدته لمباراة الافتتاح في 14 6 2018، وقد فاز فريق بلاده على خصمه بنتيجة 5 0.

وللمصادفة أيضاً، فإن الولايات المتحدة الأمريكية، وإبان قمة مجموعة السبع في كندا، هي التي انتقدت تغييب موسكو عن القمة، مطالبة بعودة تسمية المجموعة ( 7+1).

وتهدف واشنطن من وراء هذه المطالبة، إلى إغضاب بعض حلفائها الأوروبيين الذين يريدون استبعاد موسكو عن المجموعة، على خلفية أحداث أوكرانيا وسوريا، بينما تريد واشنطن التخفيف من حِدة المعارضة الأوروبية للإجراءات الجمركية الجديدة، لاسيما فرض ضرائب على استيراد بعض المواد الصلبة، خصوصاً الألمنيوم والحديد.

أحداث سياسية دولية مُتعددة حصلت إبان شهر يونيو 2018، كان بعضها بمحض الصدفة، وستكون لها تأثيرات استراتيجية في المستقبل. وموسكو كانت المُستفيد الأول من نتائج هذه الأحداث، التي أسهمت في فكّ عزلتها الدولية مع الغرب، وربما تؤدي هذه الأحداث إلى تعاظُم دورها في المستقبل.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الخليج الإماراتية)

واشنطن وبكين وبحر الصين الجنوبي

إدلب والحسابات الاستراتيجية الدولية

مصر والتوازنات الاستراتيجية الجديدة

قرية «بانمونجوم» ومستقبل المخاطر النووية

العدوان المتجاوز كل الحدود

سكريبال والحرب الدبلوماسية الساخنة

عن العقيدة السياسية للدول الكبرى

لماذا صواريخ «إس 400» في جزيرة القرم؟

روسيا في العام2017

الحوار الأوروبي الإفريقي والقنابل الموقوتة

استراتيجية روسية جديدة في الشرق الأوسط

استفتاء كردستان ليس حرباً عربية – كردية

أفغانستان الجريحة

مؤشرات التطرُّف المُقلِقة

توازن الرعب في أقصى الشرق

أخطر مُربع في الصراع

الموصل مدينة العذابات الكبرى!

واشنطن وبيونج يانج و«الصبر الاستراتيجي»

جُزُر الكوريل وتوترالعلاقات الروسية اليابانية

إعادة خلط الأوراق في العلاقات الدولية