عن قمة بوتين – اردوغان في سان بطرس برغ

د. ناصر زيدان (الخليج الإماراتية)

بين إنعقاد قمة حلف الاطلسي في وارسو  واجتماع بوتين واردوغان في سان بطرس برغ الروسية؛ شهرٌ بالتمامِ والكمال. وبين الموعدين حصلت تطورات كبيرة على المساحة ذات الصِلة، لعلَّى اهم هذه التطورات؛ محاولة الإنقلاب الفاشلة التي حصلت في تركيا في 15يوليو/تموز، ومعارك حلب الطاحنة بين النظام السوري ومعارضيه.

قمة وارسو في 9/7/2016 التي حضرها اردوغان؛ حملت رسائل من الحجم الوازن لروسيا، واهم هذه الرسائل اعتبارها مصدر التهديد الاساسي للأمن الاوروبي ( رغم اعتراض المانيا وفرنسا )، وقمة سان بطرس برغ بين بوتين واردوغان في 9/8/2016؛ حملت رسائل من الحجم الوازن ايضاً لحلف وارسو، وربما لدول اقليمية اخرى، ولعلَّى اهم هذه الرسائل، الاستدارة التركية نحو التعاون مع موسكو في مرحلة حصار غربي – اطلسي عليها، وتركيا دولة لها مكانتها المُتقدِمة في الاصطفاف الاطلسي، لكن الهوية الاطلسية لم تفيدها بشيء إبان الغضب الروسي منها في خريف 2015 عندما اوقعت مقاتلات تركيا طائرة السوخوي الروسية على الحدود السورية، فقد ترك الحلفاء انقرة وحيدة في مواجهة الانفعال البوتيني الذي كاد ان يؤدي الى حرب بين الدولتين.

وعلى ذمة المتابعين لتفاصيل الامتعاض التركي من الحلفاء الغربيين؛ تنقُل مصادر مُتابعة لخفايا التوتر التركي – الاطلسي ( او التركي – الاميركي على وجه التحديد ): ان اردوغان يضنّبواشنطن بأنها شجعت على الإنقلاب عليه. وإحتضان المعارض عبدالله غولن ( المتهم بالوقوف وراء الانقلاب ورفض تسليمه ) خير دليل على هذا الموقف. كما ان المودَّة الشخصية مفقودة بين اردوغان من جهة ومعظم الزعماء الغربيين من جهة ثانية، وغياب رئيس الوزراء السابق احمد داوود أُغلو عن المسرح السياسي، ساهم في تكثيف الضباب على الطرقات الوعِرة التي تسلكها مسيرة التعاون بين تركيا وحلفائها الغربيين.

الوقائع السياسية تُؤكِّد ان الارتياح التركي من قمة سان بطرس برغ؛ ليست من جراء قدرة اردوغان على توجيه رسائل لحلفائه الغربيين من البوابة الروسية السميكة فقط؛ بل ان الاعتبارات التي تتحكم بالاقتصاد لها الاولوية في الوقوف وراء الإنشراح التركي. ان الازمة التي سببتها طائرة السوخوي؛ كادت ان تُكبِّل اردوغان، وتُغرِقه بأزمة اقتصادية خانقة، تُساهِم في تنامي الامتعاض الشعبي منه. بالمقابل فإن الخسائر الفادِحة التي سببتها محاولة الإنقلاب – خصوصاً على السياحة – لا يمكن تعويضها إلا من خلال روسيا؛ لأن المصالح المُشتركة بين البلدين كبيرةٌ جداً، ومستوى التبادُل التجاري بينهما تخطى ال 30 بليون دولار عام 2015، ويرغب اردوغان برفعهِ الى 100 بليون. والتبادلات التجارية بين تركيا وروسيا تطال سلع حساسة لها امتداداتها الأُفقيه في الفائدة الشعبية التركية؛ لأن معظمها سلع زراعية وصناعية خفيفة، وخدمات فندقية لا يمكن تعويضها من مصدرٍ آخر غير روسيا.

وقد تبين من القراءة الاولية لتصريحات بوتين واردوغان إبان انتهاء القِمة؛ ان الطرفان يُعيران اهتماماً واضحاً لإعادة تطبيع العلاقات التجارية بين البلدين، لما لهذه العلاقة من اهمية لدى الدولتين الكبيرتين. فالرئيس بوتين قال: ان العقوبات الروسية على تركيا ستنتهي تدريجياً، وستعود العلاقات الى مسارها الطبيعي، بما في ذلك اعادة تشغيل الرحلات الجوية، وعودة العمل في بناء المحطة الكهروذرية في اكويو التركية. اما الرئيس اردوغان فبدىَ اكثر تفاؤلاً، وهو اطلق مجموعة من الطموحات التي قد تؤدي الى رفع مستوى التبادُل الى 100 بليون دولار، واكد على إعادة العمل في خط ” توركستريم ” الذي يهدف الى نقل الغاز الروسي الى اوروبا عبر الاراضي التركية.

من الجهة السياسية المُقابلة؛ لايمكن عزل الزيارة – وهي مُقررة منذ زمنٍ بعيد – عن تطور الاحداث الدامية في المنطقة، وفي سوريا على وجه التحديد. والاجتماع الذي عقده الرئيسان بحضور الوزراء المُختصين – لاسيما الدفاع والخارجية – يؤكد ان تطور الاحداث في الشرق الاوسط له مكانة في جدول اعمال الفريقين، والتعارض الذي كان يحكم توجُّه كل من البلدين حول سوريا؛ قد يتقلَّص الى حدود عدم التعارُض – إذا لم نقُل الى حدود الاتفاق – وبوتين كان مُتفائلاً بإمكانية الاتفاق مع تركيا على حلّ للأزمة السورية.

ليس من السهل الوصول الى توافق بين تركيا وروسيا على حل في سوريا؛ فالفريقان لهما مصالح مُتعارضة في العديد من النقاط، لاسيما فيما يتعلق بمدينة حلب، حيث تنكبُّ روسيا على دعم النظام وحلفائه الايرانيين للسيطرة على المدينة، بينما تُلقي تركيا بثقلها في المعركة الى جانب المُعارضة لكي لا تسقط المدينة بيد النظام، لأن سقوطها سيُبعد تركيا عن اي تأثيرات جدية في الملف السوري، وسيُطلق يد اخصامها من القوى الكردية على شريط واسع من الحدود بين البلدين.

المؤشرات المتوافِرة؛ لا تُعطي صورة واضحة عن امكانية الاتفاق التام بين انقرة وموسكو حول سوريا، ولكن هذه المؤشرات؛ تؤكِّد ايضاً: ان الملف السوري لن يُفسِد ملامح الانفراج الواضحة بين البلدين مهما كانت نتائجه.

في قمة بطرس برغ اعتبارات استراتيجية دولية، وحسابات اقليمية مُتعارِضة، ومصالح اقتصادية وداخلية عند الفريقين. فهال ينجح الرئيسان في مهمتهما التسووية، خصوصا ان بوتين واردوغان من صنف الرؤوساء البراغماتيين، او من ذوي الميول الشديدة الى الذاتية؟.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الخليج الإماراتية)

واشنطن وبكين وبحر الصين الجنوبي

إدلب والحسابات الاستراتيجية الدولية

مصر والتوازنات الاستراتيجية الجديدة

موسكو تحصد نجاحات غير متوقعة

قرية «بانمونجوم» ومستقبل المخاطر النووية

العدوان المتجاوز كل الحدود

سكريبال والحرب الدبلوماسية الساخنة

عن العقيدة السياسية للدول الكبرى

لماذا صواريخ «إس 400» في جزيرة القرم؟

روسيا في العام2017

الحوار الأوروبي الإفريقي والقنابل الموقوتة

استراتيجية روسية جديدة في الشرق الأوسط

استفتاء كردستان ليس حرباً عربية – كردية

أفغانستان الجريحة

مؤشرات التطرُّف المُقلِقة

توازن الرعب في أقصى الشرق

أخطر مُربع في الصراع

الموصل مدينة العذابات الكبرى!

واشنطن وبيونج يانج و«الصبر الاستراتيجي»

جُزُر الكوريل وتوترالعلاقات الروسية اليابانية