بحر قزوين: الاشكالية القانونية والثروات النفطية

د. ناصر زيدان (الخليج الإماراتية)

غَلَبت سمةُ التفاؤل على اجتماع وزراء خارجية الدول الخمس التي تُحيط ببحر قزوين في 13/7/2016 في استانا، واعلن باسمعهم وزير خارجية كازاخستان يرلان ادريسوف: ان لمسات اخيرة وضعت على اتفاقية الوضع القانوني للبحر، والتي سيتم التوقيع عليها في اجتماع قمة لرؤوساء الدول المُشاطئة في العام 2017. لكن الشكوك مازالت قائمة حول امكان حصول اتفاق شامل، ذلك لأن المُعطيات الجديدة؛ لا تُلائم مصالح بعض الدول المعنية، لاسيما ايران وتركمانستان .
بحر قزوين؛ يعتبر اكبر بحيرة مياه مُغلقة في العالم، تبلغ مساحته 420 كيلومتر مربع، وتحيط به اليوم اراضي لخمس دول هي؛ روسيا وايران وتركمانستان وكازاخستان واذربيجان، بينما كان قبل العام 1991 مُحاط بدولتين فقط – وفقاً للقانون – هي الاتحاد السوفياتي وايران. وبعد تفكُك الاتحاد السوفياتي، عادت اراضيه الى اربعة دول هي: روسيا واذربيجان وتركمانستان وكازاخستان، مما احدث خللاً قانونياً، وواقعياً، لم يكُن في مصلحة ايران على الاطلاق.
فمعاهدات العام 1921 والتي تمَّ التأكيد عليها في العام 1940، وتعديلاتها في العام 1970؛ اكدت جميعها على المُناصفة في إقتسام ثروات البحر بين الاتحاد السوفياتي وايران، دون ان يكون لإي دولة أُخرى حق الملاحة في البحر المُغلق. وعند إنفراط عقد الاتحاد السوفياتي، وُلِدت من رحمه عدة دول، وكان من بينها اربعة دول مُشاطئة لبحر قزوين. هذا الواقع الجديد؛ لم يَكُن لمصلحة ايران على الإطلاق. فبينما كانت طهران تقتسِم النفوذ والثروات في البحر مناصفة مع موسكو، اصبحت اليوم واحدة من خمسة دول، وبالتالي لها 1/5من النفوذ على البحر،حتى ان هذا الخمس ليس ثابتا، فهو مُعرَّض للتناقُص، على اعتبار ان مسافة الشواطيء الايرانية على بحر قزوين؛ لا تتجاوز 17% من شواطيء البحر على اليابسة.
في جولات المباحثات السابقة والمُتعدِدة التي حصلت بين الدول المُحيطة بقزوين؛ كانت ايران وتركمانستان تطالبان بأن يكون لكل دولة 20% من البحر، بينما كانت روسيا وكازاخستان واذربيجان يطالبون بأن تكون حصة كل دولة؛ ما يُقابل شواطئها، بمسافة 20 كيلومتر، يُضاف اليها 20 كيلومتر حق استثمار للثروات، والباقي مياه مُشتركة دولية ( خاصة ) بالدول المُشاطئة للبحر. وهذه المعادلة تحكمها المسافات المختلفة التي تتملكها كل دولة من شواطيء البحر، وهي لمصلحة المجموعة الثانية من الدول، لأنها تملك شواطيء اكثر.
المعادلة الجديدة التي اخرجت المفاوضات من الرتابة العادية، ووضعتها في مصافِ القضايا المُلحة، او المتوترة؛ كانت المعلومات المتداولة عن الاكتشافات النفطية والغازية الكبيرة المدفونة تحت مياه البحر، وهي حسب آخر التقديرات تتجاوز 7% من احتياط الغاز في العالم، و4% من احتياط النفط. ومكان وجود اغلبية هذه الثروة الكبيرة؛ في المناطق الشمالية والغربية، اي انها على مقربة من شواطيء اذربيجان وروسيا وكازاخستان، اكثر مما هي قريبة من شواطيء ايران وتركمانستان.
اكثر من كل ذلك؛ فإن عمق المياه في شمال البحر اقل بكثير من عمقها في الجنوب، حيث يصِل عمق المياه بالقرب من الشواطيء الايرانية الى حوالي الالف متر، بينما تطفوا المياه على الحدود الروسية الى مايُقارب الخمسة امتار، وهذا يعني ان استخراج الثروات النفطية اكثر سهولةً على الشواطيء الشمالية الغربية منها على الشواطيء الجنوبية الشرقية – اي على الشواطيء الايرانية والتركمانستانية.
في الاجتماع الاخير لوزراء خارجية الدول المعنية في استانا، اثار وزير خارجية ايران محمد جواد طريف موضوع السباق العسكري بين الدول المُتشاطئة، ودعى الى ايجاد حلول سلمية عادلة لتقاسم النفوذ والثروات في البحر من دون تدخلات خارجية؛ غامزاً من قناة التعاون المُتقدم بين اذربيجان والولايات المتحدة الاميركية والاتحاد الاوروبي في مجال استخراج النفط والغاز من بحر قزوين.
اما كازاخستان؛ الدولة التي استضافت الاجتماع، وهي تملك اكبر شاطيء على البحر في الوقت ذاته؛ فقد طالبت بإيجاد حلول مُشتركة للمُعضلات البئيية في البحر، لأن بعض الثراوات السمكية مُهددة من جراء الثلوث الناتج عن رمي النفايات، وتلوث بعض الانهر الصغيرة التي تصبُّ في قزوين.
العلاقات الروسية – الايرانية تشهد بعض الاستقرار من جراء توافق البلدين في سوريا على دعم النظام، ومن خلال تنامي العلاقات التجارية – خصوصاً توريد الاسلحة الروسية الى ايران – ولكن عوامل التوتر حول بحر قزوين قائمة على وثيرة عالية، حيث هناك تعارُض كبير في المصالح بين البلدين. الاقتراحات الروسية لتقسيم ثروات البحر لا تتوافق مع المصالح الايرانية، وهناك خشية من تزايُد النفوذ العسكري الروسي في قزوين، والذي يؤثر بطبيعة الحال على استقلالية بعض الدول المُشاطئة للبحر، او يساهم في تشكيل محاور مُتقابلة بين الدول المعنية، بحيث يدور مُعظمها في فلك السياسة الروسية، بينما تقف ايران وحيدة في الميدان القزويني، ولا ينفعها التعاطُف التركمانستاني في هذا السياق، نظراً لضعف تأثير هذه الاخيرة.
هل ينجح اطراف النزاع القزويني في ايجاد حلول للمُعضلات القانونية؟ الجواب في 2017.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الخليج الإماراتية)

واشنطن وبكين وبحر الصين الجنوبي

إدلب والحسابات الاستراتيجية الدولية

مصر والتوازنات الاستراتيجية الجديدة

موسكو تحصد نجاحات غير متوقعة

قرية «بانمونجوم» ومستقبل المخاطر النووية

العدوان المتجاوز كل الحدود

سكريبال والحرب الدبلوماسية الساخنة

عن العقيدة السياسية للدول الكبرى

لماذا صواريخ «إس 400» في جزيرة القرم؟

روسيا في العام2017

الحوار الأوروبي الإفريقي والقنابل الموقوتة

استراتيجية روسية جديدة في الشرق الأوسط

استفتاء كردستان ليس حرباً عربية – كردية

أفغانستان الجريحة

مؤشرات التطرُّف المُقلِقة

توازن الرعب في أقصى الشرق

أخطر مُربع في الصراع

الموصل مدينة العذابات الكبرى!

واشنطن وبيونج يانج و«الصبر الاستراتيجي»

جُزُر الكوريل وتوترالعلاقات الروسية اليابانية