ليت «عدوى» الجبل تصيب كلّ لبنان

صلاح تقي الدين (المستقبل)

مرة جديدة أثبت الجبل عبر رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط أن المصالحة التاريخية التي أسس لها مع البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير في آب 2001 لم تكن فصلاً عابراً في تاريخه السياسي وفي تاريخ لبنان البلد، وخير دليل على ذلك الاتصال الذي أجراه بصفير مؤكّداً له «أنت فتحت الطريق سنة 2001 للمصالحة في الجبل ولبنان، وكان الجبل ولبنان بحمايتك«، وأكمله باستقبال خلفه البطريرك الكاردينال بشارة الراعي ليعيد التأكيد أمامه أن «حرب الستين ورواسبها إنتهت إلى غيرِ رجعة، وحرب الجبل لا رجعة لها«.

وأثبت جنبلاط في يوم «تكريس المصالحة التاريخية» كما وصفه مصدر وسطي لـ «المستقبل» إنه «الزعيم الوطني الوحيد القادر على جمع هذا الحشد الذي يمثّل لبنان بكل أطيافه»، مشيراً في الوقت عينه إلى أنه «فيما يشهد عالمنا القريب والبعيد تهديماً للكنائس، ها هو وليد جنبلاط يرمم الكنائس في الجبل ويهديها إلى أصحابها».

كثيرة هي المواقف التي اتخذها جنبلاط وسجّلت مراراً لصالحه وبضع مرات عليه، غير أن من خلال موقفه الراسخ والثابت من العيش الواحد في الجبل، أثبت أنه «على استعداد لبذل ما بإمكانه من أجل عدم التفريط به أو العودة إلى الوراء« يضيف المصدر، ويؤكد أن «صدق البطريرك صفير حين قال إن إصابة الجبل هي إصابة مقتل، كإصابة القلب في الجسم«.

وجرياً على عادتها، احتضنت دار المختارة أمس أوسع حشد سياسي، ديني، عسكري يمكن أن يجتمع تحت سقف واحد في لبنان، في تأكيد استمرارية دورها التاريخي الجامع، وللتذكير بأن خيار جنبلاط منذ العام 2009 التموضع خارج الاصطفافين السياسيين العموديين اللذين يقسمان البلد، إنما اتاح له إمكانية التواصل مع جميع الفرقاء، وخاصة من يشدّد ولا يزال على اختلافه السياسي معهم لكن من ضمن «الاتفاق على تنظيم الخلاف».

ويشير المصدر لـ «المستقبل» إلى أنه «لا يمكن إلا الوقوف عند التمثيل السياسي الجامع الذي شهدته دار المختارة أمس، فكأن فرقاء طاولة الحوار جميعهم استأنفوا الجلسات الثلاث التي انتهت على زغل، وانطلقوا في جلسة جديدة أمس برعاية جنبلاط».

أضاف: «ما يتمناه وليد جنبلاط قلباً وقالباً هو أن نشهد عودة لانتظام العمل في المؤسسات الدستورية وأن يصار إلى انتخاب رئيس للجمهورية في اقرب وقت ممكن، وهذا هو الهاجس الذي يعبّر عنه في كل مناسبة وآخرها تأكيده أن الرئاسة اهم بكثير من اسم الرئيس العتيد، وهو بذلك يلتقي مع البطريرك الراعي الذي بدوره لا يزال يرفع الصوت ليعلن أن الجسم بلا رأس لا يمكن له أن يعيش».

ومناسبة الذكرى الخامسة عشرة للمصالحة التاريخية اقترنت أمس بـ «هدية» أراد جنبلاط تقديمها إلى آل الخازن من خلال إعادة ترميم كنيسة «سيدة الدرّ» التي بناها الشيخ بشير جنبلاط في العام 1820 لأصدقائه من آل الخازن لكي يتمكنوا من ممارسة شعائرهم لدى زيارتهم المختارة، وبرأي المصدر الوسطي أن هذه «الهدية ليست مجاملة من جنبلاط بل تدخل في صلب وعمق شخصيته من حيث المحافظة على التراث والمواقع الأثرية وتعلّقه بالتاريخ، ومن لا يقرأ التاريخ ويتعّظ منه لا يمكنه صناعة المستقبل».

ولأن مصالحة الجبل التاريخية «وضعت أساساً متيناً للحياة المشتركة بين اللبنانيين«، كما قال الرئيس سعد الحريري في هذه المناسبة، فإن جنبلاط شدّد على ضرورة «تثبيت مناخ المصالحات بين اللبنانيين والحد من الإنقسامات القاتلة، ونبعث برسالة إلى العالم أن لبنان يستطيع أن يقدّم مثالاً فريداً في حماية التعددية والتنوع«.

وكثيرة هي المرات التي أشار فيها جنبلاط إلى النيران الملتهبة التي تدور حولنا في الإقليم وإلى سقوط الحدود التي رسمتها اتفاقية سايكس بيكو، داعياً إلى ضرورة المحافظة على دولة لبنان الكبير، وهو أعاد بالأمس تأكيد خشيته من امتداد الحريق إلى لبنان فدعا إلى «التأكيد على العيش المشترك بين اللبنانيين جميعاً الذين يلتقون تحت سماء لبنان الكبير الذي تصادف الذكرى المئوية لولادته بعد سنواتٍ قليلةٍ، فلنحافظ عليه جميعاً بعيداً عن المصالح والحسابات الفئوية والشخصية«.

ولأن المحافظة على لبنان الكبير تبدأ بضرورة انتخاب رئيس لجمهورية «هذا اللبنان»، فإن الراعي أكّد أنه «عند مبادرة مصالحة الجبل كان رجلان كبيران جريئان قاما بها، فلو انتظرا قرارًا من الخارج، كما يجري حاليًا، لما حصلت المصالحة حتى يومنا. واليوم مبادرة انتخاب رئيس للجمهورية تحتاج إلى رجالات دولة كبار من هذا وذاك من الفرقاء، يدركون أن الحلّ يأتي من الداخل، بشجاعة التجرّد من المصلحة الذاتية، وبغيرة النظر إلى مصلحة البلاد التي تعلو الجميع«.

ويختم المصدر: «هل من يستمع إلى هذا الكلام العاقل الذي ليس جديداً على البطريرك؟ لقد اجتمع جنبلاط وصفير على كلمة سواء لتكريس إنهاء القطيعة ومسح غبار أزمة عصفت بقلب لبنان، فهل من يقتدي بهذه المصالحة لينهي الأزمة المستعصية ويعمل من أجل وضع قطار حل أزمتنا الداخلية على سكة الحل وانتخاب رئيس انطلاقاً من المصلحة الوطنية العليا؟ يا ليت عدوى الجبل إن صح التعبير، تصيب لبنان بأكلمه».

اقرأ أيضاً بقلم صلاح تقي الدين (المستقبل)

كاسر الأعراف والتقاليد

لبنان على «رادار» الصحافة العالمية

عندما يعطى جرم سماحة «المؤبد» في بريطانيا!

هل تكون «كوباني» الجنوب السوري؟

الموحّدون في سوريا يُسقطون «السلاح» .. المشبوه

انهيار النظام السوري بات وشيكاً

أي رسائل أراد رئيس «التقدمي» توجيهها؟

تهديد رئيس «التقدمي» رسالة .. أخطأت العنوان

بين جنبلاط والحريري.. ونصرالله

يحق لـ «أبو تيمور» التقاعد.. ولكن

«الاشتراكي»: موقف وطني والتجاوب ضروري

تفاؤل بري الرئاسي دونه .. الحوار

جنبلاط لـ «المستقبل»: كيف أقف ضد السوريين الذين اختاروا إسقاط بشار؟

..عودة الدروز الى الجذور

تمديد التفاؤل من ساحة النجمة الى.. الساحة الحمراء

همّ الانتخاب من المختارة الى معراب

جنبلاط.. حراك في «أهرامات» الاعتدال

«ضربة المعلم» ترتد على.. نظامه

التمديد في مواجهة الشغور

رئيس «التقدمي» يثمّن عودة الحريري «لتعزيز الاعتدال»