تمديد التفاؤل من ساحة النجمة الى.. الساحة الحمراء

صلاح تقي الدين (المستقبل)

زال عن كاهل رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط أحد همّين كانا يؤرقانه عشية سفره المنتظر اليوم إلى موسكو للقاء وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. الهمّ الأول هو التمديد لولاية مجلس النواب الذي أُقرّ أمس بغالبية مريحة و»ميثاقية» تأمنت من خلال مشاركة نواب كتلة «القوات اللبنانية» في التصويت لصالحه، أما الهمّ الثاني والمتعلّق بالفراغ الرئاسي، فهو لا يزال ينتظر الظروف المناسبة، التي يبدو أنها بدأت تلوح في الأفق، لكي يتابع وساطته «الدؤوبة» لفتح كوة في جدار هذه الأزمة، معوّلاً بذلك على الحوار بين الفرقاء المحليين الذي طالما نادى به مخرجاً وحيداً لعبور الفراغ وانتخاب رئيس «توافقي».

ويغادر جنبلاط إلى موسكو برفقة نجله تيمور ووزير الصحة العامة وائل أبو فاعور والقيادي «الاشتراكي« حليم بو فخر الدين، للقاء لافروف والبحث في الشؤون الإقليمية وخصوصاً الموقف الروسي من الأزمة السورية، الذي يعتبر جنبلاط أنه ساهم في تفاقم هذه الأزمة وتدمير حضارة تعود إلى آلاف السنين على يد رئيس النظام السوري بشار الأسد، الذي هدّم الحجر وهجّر البشر كرمى لاحتفاظه بالسلطة ومنافعها على حساب رفاهية وديموقراطية الشعب الذي نادى منذ بداية الانتفاضة «سلمياً» بضرورة التغيير، قبل أن تصبح هذه الانتفاضة «ثورة» أكثر تعقيداً وتدخل على خطها دولُ وأفراد لجأوا إلى الحديد والنار وغيّروا ملامحها. ويتخلّل الزيارة حفل غداء يقيمه نائب وزير الخارجية الروسية سيرغي بوغدانوف على شرف جنبلاط والوفد المرافق.

وإن كانت هموم جنبلاط كثيرة ومتنوعة، وكان قد عبّر عنها خلال جولاته المناطقية التي أراد منها التشديد على العيش المشترك بين مكونات الاجتماع اللبناني الواحد، ورفضه كل الدعوات إلى التسلّح و»الأمن الذاتي»، ومحاولته الدفع بأبناء طائفة الموحدين الدروز للعودة إلى الجذور والتمسّك بالأصول «الإسلامية»، ناهيك عن محاولة معالجة إشكالات «محتملة» في الشريط الممتد من «وادي التيم» إلى «العرقوب» نتيجة تماس المنطقة شرقاً مع سوريا، فهو كان قد وضع التمديد لمجلس النواب وإنهاء الفراغ الرئاسي في قمّة أولوياته، خوفاً من الدخول في الفراغ والدخول في المجهول الذي تسقط عنده جميع الهواجس الأخرى.

jonblat-554

وبالعودة إلى التمديد الذي كان «كأساً مرّة وأصبح وراءنا» على ما يقول جنبلاط، فإن الخيار بين الفراغ الذي كان يتهدّد المؤسسة التشريعية الأم، وبين التمديد غير الشعبي وغير الدستوري، فإن الخيار الذي عبّر عنه المشرّعون، «كان التمديد الذي يؤمن استمرارية البلد ومؤسساته، ويؤمن ديمومة العمل التشريعي والقانوني الضروري لتسيير أمور الناس واحتياجاتها».

وحاولت جهات داخلية تحميل رئيس مجلس النواب نبيه بري وجنبلاط مسؤولية إمرار التمديد، لكن واقع الحال مغاير تماماً، فموقف بري كان التشديد على إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، وزعامة جنبلاط الراسخة في الجبل تجعله في موقع الذي لا يخشى عليها من الانتخابات، إنما ما حتّم عليهما السير بالتمديد كانت الظروف الأمنية التي شدّد وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق على أنها غير ملائمة لإجراء الانتخابات، والميثاقية التي يحرص برّي عليها حرصه على «رموش» عينيه، والتي كانت تهدّد بتطيير شرعية الانتخابات بعد موقف الرئيس الحريري بمقاطعة أي انتخابات تجري في غياب رأس الهرم الدستوري، أي بغياب رئيس للجمهورية.

وكان واضحاً أن البلد بأكمله، ورغم بعض الاجتهادات القانونية والدستورية للفريق المعترض على التمديد والتي تفتح الباب عريضاً أمام جدال «عقيم» لا ينتهي، ذاهب باتجاه الفراغ النيابي في حال لم تجر الانتخابات، ولم يتم إقرار التمديد. من هنا، قال جنبلاط إنه «لا يمكن ترك البلاد من دون مجلس نواب، والتمديد كأس مرّة علينا تجرّعها»، فكان ما حصل، والتأم المجلس وأقر التمديد غير الدستوري وغير الشعبي في آن، لكنه ضروري ولا تستقيم أحوال السلطة التشريعية و»نصف» السلطة التنفيذية من دونه.

تبقى مسألة إنهاء الفراغ الرئاسي والتي دفعت جنبلاط في جولة على الأقطاب الموارنة، أعاد فيها وصل ما انقطع مع رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية، واستعادة علاقة قديمة برئيس «حزب الكتائب» الرئيس أمين الجميل، و»التعرّف» مجدّداً الى رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون، و»الاستماع» إلى ما لدى رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع.

وإن كان جنبلاط خرج من كل هذه اللقاءات بـ «خفّي حنين» إذ إنه استنتج أن الأمور لا تزال «معقدة»، إلا أن همّته لم «تخفت»، ولا يزال يتابع مساعيه بعيداً عن الإعلام سعياً وراء إحداث خرق، إمّا عبر الدفع نحو حوار مباشر بين «تيار المستقبل» و»حزب الله» الأمر الذي يساعد برأيه على رأب الصدع أولاً في العلاقات «السنية – الشيعية» المتوترة من أفغانستان إلى المغرب طبعاً مروراً بلبنان، وثانياً على تخفيف الاحتقان السياسي الداخلي والذي كما أدّى في مرحلة سابقة إلى تأليف حكومة «المصلحة الوطنية» ربما أدى إلى تجاوز «مطب» الترشيحات الرئاسية غير التوافقية والتفاهم على مرشح وسطي، كل ذلك، مع إصراره الدائم والمستمر على التمسّك بترشيح النائب هنري حلو إلى الموقع الرئاسي.

وقد لاقى البيان «المبادرة» الذي أطلقه الرئيس الحريري والدعوة إلى الحوار الذي يشمل «حزب الله»، والموقف الأخير لـ»القوات اللبنانية» بلسان النائب جورج عدوان الذي أعلن خلال جلسة التمديد أمس «تقديم المصلحة الوطنية على ما عداها»، لدى جنبلاط ترحيباً مميّزاً، وأملاً بأن يتيحا الوصول إلى «تسوية» ما في شأن الانتخابات الرئاسية، ناهيك عن الخطاب «العاشورائي» و»التهدوي» للسيد نصرالله الذي أعلن فيه بوضوح أن مرشح «حزب الله» إلى الرئاسة هو العماد عون، يبدو أن منسوب «التفاؤل» عاد ليرتفع مجدّداً لدى جنبلاط الذي رأى أن «انخفاض سقف الحدة في الخطاب السياسي، مؤشر جيّد يمكن التعويل عليه للدخول في حوار لا غنى عنه بالنسبة للجميع».

اقرأ أيضاً بقلم صلاح تقي الدين (المستقبل)

كاسر الأعراف والتقاليد

ليت «عدوى» الجبل تصيب كلّ لبنان

لبنان على «رادار» الصحافة العالمية

عندما يعطى جرم سماحة «المؤبد» في بريطانيا!

هل تكون «كوباني» الجنوب السوري؟

الموحّدون في سوريا يُسقطون «السلاح» .. المشبوه

انهيار النظام السوري بات وشيكاً

أي رسائل أراد رئيس «التقدمي» توجيهها؟

تهديد رئيس «التقدمي» رسالة .. أخطأت العنوان

بين جنبلاط والحريري.. ونصرالله

يحق لـ «أبو تيمور» التقاعد.. ولكن

«الاشتراكي»: موقف وطني والتجاوب ضروري

تفاؤل بري الرئاسي دونه .. الحوار

جنبلاط لـ «المستقبل»: كيف أقف ضد السوريين الذين اختاروا إسقاط بشار؟

..عودة الدروز الى الجذور

همّ الانتخاب من المختارة الى معراب

جنبلاط.. حراك في «أهرامات» الاعتدال

«ضربة المعلم» ترتد على.. نظامه

التمديد في مواجهة الشغور

رئيس «التقدمي» يثمّن عودة الحريري «لتعزيز الاعتدال»