“الظواهر الدينية” احزاب سياسية متشابهة مع نقيضها

منير بركات (الأنباء)

بعد تصاعد العمليات العسكرية والعنفية والانتحارية لتشمل مختلف بلدان العالم لتصبح معها “الظاهرة الدينية” في واجهة اهتمام الرأي العام وتحت المجهر وتطلق عليها كثير من التوصيفات مما يضعها في دائرة الألتباس والادانة والشك بسبب بعد النعوت التي تدين نفسها في غالب الأحيان.

إن الخلط في تحديد الهوية لهذه الحركات والاختلاف في التسميات،تختلف في النظرة اليها وتقييمها بين وجهة وأخرى وتبقى الاسئلة المطروحة: هل هي اصوليات، أم حركة سلفية، ام صحوة دينية، ام حركة انبعاث تجانبها عملية اصلاح ديني وغيرها من اسماء ومضامين متناقضة تصل الى مواجهات دامية فيما بينها، ومتقاربة  الى حد التلاحم من أجل الدفاع عن النفس.

هذا المشهد يثير الاختلاف في تحديد وجهات النظر وكيفية المواجهة.ولكي نتجاوز الدخول في الجانب الفقهي والتاريخي في الشؤون الدينية دون ان نغفل أهمية البحث العلمي والنقاش بين العلماء والمفكرين بهدف تعميق المعرفة في كل الشؤون المتعلقة بالوعي الديني والفكر الديني. ولكن الأهم أن لا نستخدم هذا البحث في مواجهة الحركات السياسية الإسلامية لانه يشكل سلاحا اضافيا بايدي هؤلاء.

77

اذن في الاستنتاج الظاهرة الدينية التي نحن بصددها ليست هي كذلك، بل هي ظاهرة وحركة سياسية بإمتياز لا لكي ننفي عنها الطابع الديني، بل لنؤكد بان الجانب السياسي هو الاساس في هويتها ومشروعها واهدافها.

هذه الظواهر تعتبر تنظيمات حزبية لا يميزها عن التنظيمات الحزبية شيئا تماما كالاحزاب القومية والاحزاب الشيوعية وهي متشابهة معهما لتشكل ثالوثا مستنسخا في تنظيمه الداخلي الغير ديموقراطي  ولو كانت الاهداف مختلفة ومتناقضة.

وتبني هذه الاحزاب نظامها الداخلي وآلية تطبيقه على اسس هرمية يتحول فيها رأس الهرم  الأمير او الرئيس او الأمين العام الى الحاكم الأمر الناهي بصلاحيات استثنائية وبهالة من التقديس، وتقدم نفسها بأنها  تملك كل الأجوبة النهائية وتنطلق من الحقائق المطلقة.

ومن المؤسف بأن الاحزاب القومية والدينية اعتبرت انهيار التجربة الاشتراكية انتصاراً لها ودورها في ملء الفراغ وتأكيد لصحة برنامجها مما زادها في ممارسة القمع واحتكار الحقيقة  لا سيما الاسلام السياسي الذي رفض كل اساليب النقد واعتمد على تغليب الإرادة على التاريخ، والعنف على الأقناع ويمكن تعميم ذلك على كل الأحزاب الايديولوجية بما فيها بعض الأحزاب الماركسية التي لم تتعلم من خطأها القاتل وتكرر نفسها بثقافة ممجوجة ومستهلكة.

اعتقد بأن لا مستقبل لهذه الأحزاب والحركات التي تسبح بعكس التيار وتستخدم من قبل التيار نفسه لتشكل له عوامل مساعدة في تحقيق اهدافه وسيطرته وانتشاره ويصبح مطلباً للتخلص من براثن الجهل والتعصب والتخلف مما يضعها خارج التاريخ بالرغم من الكلفة الباهظة والمديدة وما ينتج عنها من الإنكفاء على الذات وانضاج شروط التحكم المتجدد بمصير المنطقة والعالم.

————————

(*) رئيس الحركة اليسارية اللبنانية