أفغانستان.. تسابق بين الموت والحوار

د. ناصر زيدان (الخليج الإماراتية)

في عام 2013 توفي الملا عمر زعيم حركة طالبان الأفغانية. كان عمر متشدِداً، قاد الحركة التي كانت تحكم أفغانستان قبل الغزو الأمريكي للبلاد عام 2001. وخلف الملا عمر بعد إعلان الوفاة في عام 2015 الملا اختر منصور. وكانت التحليلات تشير إلى أن منصور سيدخل في مفاوضات جدية مع الحكومة الشرعية في كابول، إلا أن النتائج المرجوة من الحوار لم تكن على قدر التوقعات، ونفذت طالبان هجوماً كبيراً على معاقل الحكومة في الخريف الماضي، ولولا المساعدة الأمريكية للقوات النظامية، لكانت الأوضاع في الجنوب الأفغاني صعبة للغاية.

تأكد مقتل الملا منصور في غارة لطائرة أمريكية من دون طيار في 21-5-2016 استهدفت سيارته على الجانب الباكستاني من الحدود مع أفغانستان، في ولاية بلوشستان.

الناطق باسم طالبان ذبيح الله مجاهد الذي أكد خبر وفاة منصور قال: إن مجلس شورى طالبان بايع هيبة الله أخوندزاه في زعامة الحركة، وعين المتشدد سراج الدين حقاني والملا يعقوب ابن الملا عمر نائبين له.
أول تصريحات الزعيم الجديد؛ كانت إعلانه رفض الحوار مع حكومة الرئيس أشرف غني في كابول.

الحوار بين الحكومة وحركة طالبان الذي جرى بطريقة غير مباشرة منذ أكثر من سنتين، لم يؤدِ إلى أية نتائج، بل إنه كان السبب في الانشقاقات التي حصلت داخل حركة طالبان، وفي الخصومة بينها وبين تنظيم «داعش» وشبكة حقاني الإرهابيتين.

الناطق باسم الرئاسة الأفغانية عبد الله عبد الله، أعلن في أعقاب مقتل منصور: أن على هيبة الله أخوندزاه الانضمام إلى المفاوضات، وإلا سيلاقي المصير ذاته الذي لقيه سلفه منصور.

هيبة الله اختير لرئاسة طالبان كونه الأكبر سناً في مجلس الشورى؛ ولأنه ضليع بالأمور الدينية، وكان قاضي شرع الحركة («وزير العدل» فيها) منذ فترةٍ طويلة.
مسار الأحداث في أفغانستان يبدو كأنه سِباق بين لغة الموت والقتل ولغة الحوار والمفاوضات. كِلا الطريقين تحيط بهما الأشواك من كل حدبٍ وصوب. كما أن تفاقم لغة الموت يهدف بالدرجة الأولى لفرض شروط على الحوار. والحوار في ظل التفجيرات الانتحارية، والإعدامات المتبادلة؛ مهمة شاقة للغاية.
توقيع الرئيس أشرف غني على الأحكام التي صدرت عن محكمة الاستئناف في كابول، وقضت بإعدام 6 من المرتكبين للتفجيرات الإرهابية وينتمون لحركة طالبان، أدت إلى تفجير انتحاري استهدف العاملين في المحكمة، وأودى بحياة 10 وجرح 23 آخرين.
أما تعاون الحكومة مع القوات الأمريكية والأطلسية المتبقية في أفغانستان، فهو عنصر خلافي آخر. فالحكومة لا تستطيع الاستغناء عن هذه القوات، وطالبان تشترط لأي حوار انسحاب كامل القوات الأجنبية من البلاد.
بموجب الاتفاقية التي تم توقيعها بين الحكومة الأفغانية والولايات المتحدة في عام 2014، بقي 9800 ضابط وجندي أمريكي في البلاد، ويعاونهم 2200 من قوات حلف شمالي الأطلسي، مهمتهم مساعدة القوات الحكومية في مواجهة الإرهاب، وتدريب أفراد الجيش الأفغاني على المعدات العسكرية الحديثة، وعلى زيادة مهاراتها القتالية.
قرار الرئيس باراك أوباما بسحب هذه القوات المتبقية قبل موعد مغادرته البيت الأبيض نهاية العام الحالي، يلقى معارضة شديدة من قبل جنرالات الجيش، وانتقده علناً رئيس لجنة الدفاع في الكونغرس جان ماكين إبان زيارته لكابول في تموز/يوليو الماضي. ويعتبر المنتقدون أن القوات الحكومية الأفغانية التي يبلغ عديدها 360 ألف ضابط وجندي، لا تملك المهارات الكافية لمواجهة الأنواع المتعددة من الأعمال الإرهابية. وتوقيف المساعدة الأمريكية، يضعف قدرات الحكومة في مواجهة الهجمات الطالبانية.
توازن الرعب بين مقدرات حكومة أشرف غني الأمنية والعسكرية، وبين قدرات طالبان والمجموعات الإرهابية على تنفيذ هجمات انتحارية، أو زرع العبوات، لا تبشر بمستقبل آمن ومستقر في البلاد. ودخول الإرهاب الداعشي على خط التوتر، فاقم من خطورة الوضع.
لا يمكن ترسيخ حل ثابت على الساحة الأفغانية من دون حوار يؤسس لمستقبل يحترم التنوّع العرقي والقبلي في البلاد. والدول الكبرى المجاورة، مطالبة بلعب دور حاسم في تشجيع الحوار.. وأمام هيبة الله فرصة للانخراط بالحوار ووقف مسلسل الموت في البلاد المعذبة.

 

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الخليج الإماراتية)

واشنطن وبكين وبحر الصين الجنوبي

إدلب والحسابات الاستراتيجية الدولية

مصر والتوازنات الاستراتيجية الجديدة

موسكو تحصد نجاحات غير متوقعة

قرية «بانمونجوم» ومستقبل المخاطر النووية

العدوان المتجاوز كل الحدود

سكريبال والحرب الدبلوماسية الساخنة

عن العقيدة السياسية للدول الكبرى

لماذا صواريخ «إس 400» في جزيرة القرم؟

روسيا في العام2017

الحوار الأوروبي الإفريقي والقنابل الموقوتة

استراتيجية روسية جديدة في الشرق الأوسط

استفتاء كردستان ليس حرباً عربية – كردية

أفغانستان الجريحة

مؤشرات التطرُّف المُقلِقة

توازن الرعب في أقصى الشرق

أخطر مُربع في الصراع

الموصل مدينة العذابات الكبرى!

واشنطن وبيونج يانج و«الصبر الاستراتيجي»

جُزُر الكوريل وتوترالعلاقات الروسية اليابانية