عوامل توتير سياسي غير محسوبة
د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)
28 مارس 2015
تقول أوساط سياسية متابعة لتطور الأحداث في لبنان أن ثمة عوامل توتير سياسي دخلت بقوة على مسار الأزمة تحمل بوادر تصعيد في الخلافات القائمة، وتُنذر بتفاقم الأمور، بعد مرحلة من الهدنة، ساهمت في إرسائها الحوارات التي حصلت بين الأطراف المُتخاصمة، لا سيما الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله.
وتتخوَّف الأوساط من بعض المؤشرات التي توحي بإمكانية تغيير قواعد الاشتباك السياسي، خصوصاً أن هذه المؤشرات تترافق مع تباعد المواقف بين الدول الإقليمية الكبرى، على خلفية تصاعد الأحداث في اليمن، ومن جراء الاستفراد في خطة مواجهة المدّ الداعشي في العراق، لا سيما في معركة تكريت، بعد أن كانت هذه المواجهة مناسبة لتقريب وجهات النظر بين القوى الكبرى، وقد إشتركت قوى دولية وعربية في محاربة “داعش” من دون تردد، لكن تصريحات قائد فيلق القدس قاسم سليماني أعادت الأمور إلى المُربع الأول.
من أهم العوامل التي يُخشى من تأثيراتها السلبية على الوضع في لبنان، كلام بعض المسؤولين الإيرانيين، وآخرهم وزير الثقافة علي جنتي، الذي قال: “إن أمن لبنان من أمن إيران”. وبصرف النظر عن خلفيات التصريح التي قد تكون بنيِّة تعزيز العلاقات السياسية بين البلدين، لكن تأثيرات هذا التصريح ستفعل فعلها في الإتجاه المُعاكس، ذلك أن مجموعة كبيرة من القوى اللبنانية، لا ترتاح لمجرى التداخلات القائمة بين الدولتين، وهذه القوى تعتبر أن بعض المسؤولين في طهران يساهمون في إطالة أمد الفراغ في سدة الرئاسة اللبنانية، ويبالغون في التدخلات الأفقية مع بعض الأطراف الحزبية التي تدور في فلكهم على حساب دور الدولة ومكانتها.
أمَّا المحطة الأُخرى غير المحسوبة، والتي ربما يكون لها إرتدادات على الأوضاع اللبنانية الهشَّة؛ فهي مجرى سير إستماع الشهادات أمام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، والتي تعقد جلسات علنية في لاهاي، للوصول إلى الحقيقة في جريمة إغتيال رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري.
وتقول أوساط قانونية متابعة لجلسات المحاكمة، أن تساؤلات كبيرة تُطرح حول الكيفية التي يتم فيها طرح الاسئلة على الشهود، من دون مراعاة مكانة هؤلاء الشهود؛ وحتى إختصاصاتهم المهنية، أو مسؤولياتهم السياسية، كطرح سؤال ذات طابع عسكري صرف على مسؤول سياسي لا يعرف بالأمور العسكرية.
وتقول هذه الأوساط أن جزءاً كبيراً من الشهادات تحوَّل إلى تحقيق مع هؤلاء الشهود، وتمَّ إدخالهم في مسارات سياسية ليست ضرورية لمجرى المحاكمة، والبعض منها معلومات معروفة لدى القاصي والداني، وتكرارها لا يُقدِّم ولا يؤخر، والأوضاع في لبنان اليوم لا تتحمل إستعادة كُل موبقات فترة الوصاية السورية، خصوصاً في جو الحوارات القائمة.
ومن العوامل التوتيرية غير المحسوبة، وربما جاءت بالصدفة، إفادة الرئيس الأسبق للحكومة ورئيس كتلة المستقبل النيابية فؤاد السنيورة أمام المحكمة الدولية، والتي أشار فيها إلى أن الرئيس الشهيد قال له: “إن حزب الله حاول إغتياله أكثر من مرَّة، رغم أن السنيورة تجنَّب في اليوم التالي إتهام حزب الله بتنفيذ عملية الاغتيال المشؤومة”.
القوى التي تدور في فلك حزب الله إتهمت السنيورة بنكء الجراح، وبمحاولة تخريب الحوار القائم بين حزب الله وتيار المستقبل، وسبق تصريحاته في لاهاي، إذاعته لبيان قوى 14 آذار في “البيال”، والذي إعتبره حزب الله إستهدافاً سياسياً، لأن البيان إتهم الحزب بتخريب مسار الانتظام العام في الدولة، وربط لبنان بأحلاف إقليمية خارجية.
العوامل التوتيرية المُستجدة، سيكون لها تأثيرتها على مسار العملية السياسية المُعقدة في لبنان، لا سيما وأنها تترافق مع وجود ملفات خلافية كبيرة على الساحة، منها عدم إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، والفراغ الذي يُهدد مواقع أساسية في الدولة، وتحديداً موقع قيادة الجيش ورئاسة الأركان وقيادة قوى الأمن الداخلي، والتبايُن واسع بين القوى السياسية الأساسية حول كيفية مُعالجة هذا الفراغ القادم.
العماد ميشال عون يعارض تمديد خدمات القيادات العسكرية، ويعتبر الأمر مُخالفة للقانون، ويحرم كبار الظباط المؤهلين من الوصول إلى سدَّة المسؤولية، ومنهم صهره العميد شامل روكوز، بينما يعتبر وزير الدفاع سمير مُقبل أن خيار التمديد إلزامي في ظل عدم التوافق، لكي لا يحدث فراغ في المؤسسة العسكرية التي تُعتبر الملاذ الآمن الأخير للبنانيين، والجيش هو وحده القادر على تجنيب البلاد ويلات الإنزلاق إلى الفوضى، وهو دون غيره الذي يتصدى للمجموعات الإرهابية.
الإتفاق غير المُعلن على تنظيم الخلافات السياسية الواسعة بين القوى السياسية والطائفية والمذهبية المتنوعة، قد يُعطِّل مفاعيل عوامل التوتير المُستجدة، إذا لم يكُن هناك عوامل أُخرى ليست في الحسبان، أو إذا لم يكُن هناك قرار في تغيير قواعد الاشتباك السياسي في ضوء تصاعد التوتر في المنطقة. أما إذا كان هناك قرار خلف التصريحات العالية النبرة، عندئذٍ يمكن أن تكون البلاد أمام تحديات أمنية وسياسية سلبية غير محسوبة.