انفلات التخاطب السياسي في لبنان: أسبابه ونتائجه
د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)
2 ديسمبر 2018
يتفاقم تنامي الانفلات في لغة التخاطب السياسي في لبنان الى درجة أصبحت تهدد بخلق مشكلات سياسية وأمنية، على المستوى العام، وعلى المستوى المناطقي، او حتى بين الأفراد والمجموعات.
وتقف الهيئات والأجهزة المناط بها الرقابة – او المحاسبة – حائرة أو عاجزة عن وضع حد لهذا الانفلاش، أو الحد من آثاره على أقل تقدير.
وهناك خلط واسع بين مفهوم الحريات العامة التي هي من السمات الأساسية للنظام اللبناني، وبين التفلت الذي يصل إلى حد التشهير والتجريح وسوق الاتهامات بألفاظ مشينة.
ويستند الذين يستخدمون هذا الأسلوب الى واقعة حفظ الدستور لحق التعبير عن الرأي، ولكن في واقع الحال قد يكون استنادهم الحقيقي الى قوة جهات نافذة – سياسية او أمنية – لهم ثقة بانها تحول دون محاسبتهم على فعلتهم بقوة النفوذ، او بقوة الأمر الواقع.
وفي محددات القوانين: الحريات العامة شيء والشتائم في وسائل الإعلام، او على وسائل التواصل الاجتماعي شيء آخر.
تكاد بعض المخاطبات، او التعابير التي تساق بحق المسؤولين او المواطنين أن تحدث فتنة بعض الأحيان.
وعلى سبيل المثال: فقد أدى إطلاق تعابير غير مألوفة وتجريحية بحق رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري من على منبر إعلامي واسع الانتشار الى اضطرابات وحرق دواليب وقطع طرق، وكادت التحركات في الشارع أن تتطور الى فتنة، لولا تدخل الجيش والقوى الأمنية الأخرى وضبطها بمساعدة قيادات من تيار المستقبل.
وقبل ذلك حصل عدة حالات مشابهة مع الرئيس نبيه بري وغيره.
وتضج وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة بتبادل الاتهامات بين سياسيين او مواطنين عن طريق استخدام تعابير نابية لا تليق، وتسيء الى لبنان وسمعة اللبنانيين، ومثل هذا التفلت، ليس موجودا على ذات القدر في بلدان أخرى عربية او أجنبية مثل ما هو عليه الحال في لبنان.
والاتهامات في لبنان – التي تصدر عن مسؤولين وعن مواطنين – لا تراعي الخصوصيات الشخصية للناس كما تنص عليه القوانين المرعية الإجراء، بما في ذلك الدستور.
واشتراك سياسيين في كيل الاتهامات المشينة بحق اخصامهم، يشجع المواطنين على تجاوز الحدود في سياق التعبير عن آرائهم، او عن مواقفهم عبر وسائل التواصل.
ولا توفر عملية التفلت في لغة التخاطب رئيس الجمهورية، ولا المقامات الرسمية أو الدينية او الرموز السياسية الأخرى، مما يطرح علامات استفهام عن مصدر هذه «الشجاعة» في تناول كرامة الآخرين، وبالتالي عدم الخوف من المحاسبة.
يرى بعض المتابعين أن إجراءات المحاسبة القضائية لا تفي بالغرض في لجم الانفلاش التشهيري، لأن القانون يفرض تحريك دعوى شخصية من قبل المتضرر أمام النيابات العامة او امام المحاكم المختصة.
وهذا الإجراء صعب للغاية، لأن بعض الحسابات على شبكات التواصل الاجتماعي وهمية ويحتاج كشفها الى وقت طويل، كما أن بعضها موجه من خارج البلاد، او لأن الدعاوى تأخذ وقتا طويلا، إضافة الى أنها تكبد الشاكي تكاليف مادية وتوكيل محام، لا يستطيع غالبية المتضررين تحملها.
وعملية الملاحقة أصعب إذا كانت تتعلق بوسائل الإعلام النافذة، او التي تحصل على غطاء سياسي.