عن الانعكاسات الخطيرة لتوقف القروض السكنية
د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)
10 يوليو 2018
يعاني لبنان من ازمة جديدة مستفحلة منذ قبل بداية العام الحالي، وهي توقف المؤسسة العامة للاسكان والمصارف عن تقديم القروض السكنية لذوي الدخل المحدود، علما ان هذه القروض كانت تعطى بفوائد مخفضة جدا، بحيث لا تتجاوز كلفة القرض فائدة 1% من المؤسسة العامة للاسكان، وبفائدة 3% على القروض المقدمة من المصارف والمدعومة من مصرف لبنان، علما ان الفوائد العادية على التسليفات من البنوك قد تصل الى اكثر من 10%، وهذا ما لا يمكن ان يتحمله اي مواطن، اذا ما قرر الحصول على قرض عادي بهدف شراء منزل.
توقف مصرف لبنان عن دعم فوائد القروض السكنية، كما ان توقفه عن تقديم مبالغ من دون فوائد للمؤسسة العامة للاسكان، لم يأت من فراغ في الحسابات المالية. وكان مصرف لبنان قد حول آخر دفعة لتسديد القروض الموعودة في شهر فبراير الماضي، بقيمة 500 مليون دولار، وتوقف بعد ذلك عن تقديماته، رغم تدخل رئيس الجمهورية ووزيري المالية والشؤون الاجتماعية، ورغم الضغوطات الشعبية التي حصلت على خلفية هذا الأمر، ومنها اعتصامات نفذها المواطنون في اكثر من موقع.
حجة حاكم مصرف لبنان الذي ادلى بها للاعلام، ان مصرف لبنان ليس مسؤولا عن السياسة الاسكانية، وهذه مهمة الحكومة التي عليها ايجاد حلول للأزمة. لكن واقع الحال يختلف عما صرح به الحاكم، لأنه قال للمدير العام لمؤسسة الاسكان روني لحود، ولبعض من التقاه مؤخرا كلاما آخر، بحيث ان المعطيات المتوافرة تشير الى ضغوطات مالية ناتجة عن الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها لبنان، تمنعه من المغامرة في توفير المزيد من الدعم للقطاعات الحكومية، لاسيما في مجال تغطية عجز الموازنة الهائل، وفي تقديم التسليفات المدعومة الى المرافق الاستثمارية الأخرى، ومنها الاسكان ومؤسسة تشجيع الاستثمارات «ايدال».
توقف التسليفات الاسكانية قد يعرض لبنان لمخاطر كبيرة، تشبه ما تعرضت له الولايات المتحدة الاميركية في العام 2008، بحيث ينهار القطاع العقاري – وبدأت بعض ملامحه من خلال افلاس بعض الشركات – وهذا بطبيعة الحال سيصيب قطاع المصارف، لأن الجزء الاساسي من توظيفاتها المالية يذهب نحو الاستثمار في القطاع العقاري، كما ان كفالات القروض الأخرى تستند الى الملكيات العقارية، واذا ما تدنت مستويات الاسعار العقارية اكثر من ذلك، قد يتهرب الدائنون من المصارف عن السداد، لأن الكفالات العقارية في حينها تصبح اقل قيمة من المبالغ المطلوبة منهم.
وتتأثر في عملية توقف القروض الاسكانية قطاعات أخرى، منها تجارة مواد البناء واليد العاملة في قطاع البناء، كما تنخفض مستويات الحركة المصرفية الى حدودها الدنيا، لأن البنوك تعتمد بنسبة تزيد على 30% من حركيتها على القطاع العقاري والمقاولات.
يذكر المخضرمون من رجال السياسة والمتابعون الأزمة التي حصلت خلال الحرب الاهلية بين وزير الاسكان في حينها الرئيس الراحل كميل شمعون والمدير العام للاسكان الراحل فؤاد ذبيان، على خلفية اتهام ذبيان انه يمنح قروضا اسكانية من دون توازن طائفي، اي ان عدد المستفيدين من هذه القروض كان أكثر في بيروت الغربية والمناطق الاسلامية الأخرى، وكادت الازمة تتطور الى حد تعطيل مرفق الاسكان، لولا تدخل الوزير وليد جنبلاط في حينها بمونته السياسية على ذبيان وتواصله مع شمعون. القصد من ذكر هذه الواقعة هو التوضيح: ان التسليفات الاسكانية كانت قائمة ابان فترة الحرب الاهلية في لبنان، فكيف للبنان ان يتحمل توقيف هذه القروض بعد ما يقارب 30 عاما على انتهاء هذه الحرب؟