تمام بك سلام ..

صلاح تقي الدين

لم يخيّب تمام بك سلام أي أمل فيه، بل إنه فاجأ نفسه قبل الآخرين بأدائه وإدارته لحكومة “المصلحة الوطنية” كما سمّاها بنفسه.

الرجل “الآدمي”، ابن صائب بك سلام، ابن أبو علي سلام، ابن البيت البيروتي، اللبناني، العروبي، قدّم ويقدّم أداء مشرفاً في السياسة والالتزامات الوطنية، ووضع المصلحة العامة للبنانيين قبل وفوق أي مصلحة أخرى .. والذي يعرف تماماً ماذا تعني المقولة الرائدة لوالده الراحل عن “التفهّم” و”التفاهم”، وعن كيفية ترجمتها عملياً من خلال تثبيت أسس الاجتماع الأهلي والعيش المشترك، والمناصفة التي نصّ عليها الطائف، وانتهى معها مبدأ “العدّ والقسمة والطرح”.

ابن بيت عرف ويعرف دقة التوازنات اللبنانية، وكان رائداً في استنباط الخلاصات المكثّفة لتلك الحالة .. وعلى طريقة الفلاسفة اليونانيين اختصر المعطيات العامة بجملة واحدة: لاغالب ولا مغلوب.

لا يُحسد تمام بك سلام على التشكيلة الحكومية التي يرأسها، ولا على الزمن الذي شكّلها فيه وصار بموجبها دولة الرئيس. ومع ذلك، يُشهد له من الجميع بأنه استطاع على مدى شهور عمرها، أن يدوّر الزوايا الحادة فيها، ويمشي بين النقط ويعطّل الأفخاخ والألغام والمزايدات من دون أن يتراخى أو يتراجع عن مبادئه وعن متطلبات منصبه.

salam cartoonize

وهذه لعمري، يستحق جائزة غير مسبوقة عليها، لأنه بكل بساطة تمكّن في زمن صعب من قيادة سلسة لجملة تناقضات متفجّرة، وتمكّن في زمن الغرائز المشتعلة من وضع العقل على الطاولة، وإيثار الحكمة في كل شأن .. رجل دولة وتسوية، وفي ذلك عوّض بسرعة عن مثالب كثيرة سجّلها سلفه، وأوصلت بأدائه البلاد إلى حافة الانهيار الفتنوي التام، برغم أنه ملأ الدنيا زعيقاً عن افتدائه لبنان بنفسه عندما جاء إثر الانقلاب الشهير.

وأثبت ابن صائب سلام أنه بالفعل وفيٌ كبير لارثه الثمين، وهو الذي آثر ويؤثر دائماً “تفهّم” الآخر، ويبحث عن “التفاهم” معه .. مصلحة لبنان تفرض ذلك، ومصلحة اللبنانيين تحكم به، وأول شروط وديمومة هذا المعطى النبيل هو أن يستقيم ميزان الحكم دستورياً ووطنياً وسياسيا، وذلك لا يكون إلا بالاسراع في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، بما يعنيه ذلك من تأكيد على فرادة لبنان وكونه رسالة أكثر منه كياناً وطنياً جامعاً، لأن رئيس لبنان هو الرئيس المسيحي الوحيد في العالم العربي والاسلامي.

والملفت أيضاً في أداء دولة الرئيس، أنه لا يتكلّم إلا عند الضرورة، ولا يدخل في مهاترات ولا في نزاعات هامشية لا تفيد أحداً. وكثيرون يعرفون بدقة تفاصيل مواقفه في الكثير من القضايا المتفجّرة في لبنان عموماً، وهي في مجملها مواقف سحبت فتائل التفجير من تلك القنابل، ومع ذلك، لم تكن هناك ضرورة عند دولة الرئيس لأن يعرفها العامة، فهؤلاء يريدون أداء حكومياً ناجحاً، ولا يريدون ادعاءات فارغة.

صحيح تماماً أن أداء بعض من في حكومة “المصلحة الوطنية” لا يليق بأحد، لكن الصحيح أيضاً هو أن رئيس هذه الحكومة تمكّن ببعد نظر أن يضبط الكثير من “الفلتات”، وأن يمنع الكثير من “الضرر” المتأتي من أصحاب هذه “الفلتات”.

رجل دولة جدير بالاحترام. نظيف الكفّ، عفيف اللسان، كريم الأخلاق، ووطني لبنان أصيل، وعربي بامتياز. يكفي تمام بك سلام أن يشار إليه بـ “الآدمي” أكثر من أي لقب آخر.