هل تصل رياح التسوية العراقية إلى لبنان؟

صلاح تقي الدين

لا يمكن وصف سقوط رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي بعد تلاشي التأييد الداخلي والاقليمي لدعم ترشّحه لولاية ثالثة، سوى أنه ناتج عن تقاطع مصالح إيرانية – سعودية – أميركية أنتج “قراءة موحّدة” لمخاطر بقائه في منصبه، إذ أنه وبعد ثماني سنوات من حكمه وتحكّمه بالعراق ومؤسساته وماليته، أظهر ما يكفي من فساد وسوء إدارة وقلّة تدبير ورعونة سياسية، حعلته على نقيض من الجميع في الداخل والخارج، بل وفي داخل الداخل أي حتى داخل المكون الشيعي العراقي نفسه.
وتلك “القراءة الموحّدة” للحدث العراقي تُرجمت بقرار إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما توجيه ضربات جوية على مناطق نفوذ “داعش” القريبة من الحدود العراقية – الايرانية في محافظة ديالا كبادرة “حسن نية”، لقاء “تسهيل” إيراني لترحيل المالكي عن السلطة في بغداد، عدا عن أن المملكة العربية السعودية لم تكن بعيدة عن ذلك المناخ من خلال خطاب خادم الحرمين الشريفين الذي أعلن فيه “شن الحرب” على الارهاب المرتكب باسم الاسلام، ومن ثم الاعلان عن تخصيص مبلغ مليار دولار لمحاربة الارهاب “الداعشي” في لبنان، وإيكال مهمة صرف هذه الهبة إلى رئيس الحكومة السابق سعد الحريري شخصياً، ولاحقاً مبادرتها إلى إعلان ترحيبها بتسمية حيدر العبادي رئيساً للحكومة العراقية الجديدة.

من المبكر الحديث عما تحمله عودة الرئيس الحريري المفاجئة في الثامن من الجاري من ملامح “تفاهم” إقليمي، لكن من شبه المؤكد أن عودته لم تكن لتحصل من دون مباركة سعودية – أميركية، أو بالحد الأدنى، “ضمانة إقليمية” بـ “حفظ أمنه الشخصي”، وهو الذي كان غادر البلاد على وقع التهديدات الأمنية التي كانت استفحلت ضده ووصلت إلى اقصاها من خلال رسالتي اغتيال اللواء الشهيد وسام الحسن والوزير السابق محمد شطح.

وما يعزّز السؤال عن ارتباط التطوّر اللبناني بالعراقي هو تزامن ملفت في الذهاب وفي العودة، بحيث أن الرئيس الحريري الذي فاز في انتخابات العام 2009 “أُخرج” بانقلاب القمصان السود وتالياً من لبنان في العام 2011، في الفترة ذاتها كان أياد علاوي قد فاز أيضاً مع تحالفه في الانتخابات التشريعية في العراق، إلا أنه “أُخرج” من تشكيل الحكومة على يد الفريق “الممانع” ذاته الذي أطاح بالحريري .. ما يحصل الآن هو العكس، أي أن عودة الحريري تترافق مع خروج المالكي.

وفي كل الحالات، فإن دلالات الترابط بين العراق ولبنان قائمة في السياسية الإيرانية منذ ثلاثين عاماً، وتبلورت بوضوح تام بعد سقوط صدام حسين في العام 2003، وبالتالي فإن ذلك الترابط قائم حكماً، بغض النظر عن الموقف منه، والنظر إليه لا يمكن أن يكون جزئياً، بل باعتباره وليد قرار إيراني واحد ينعكس على البلدين ويترجم فيهما أكثر من أي مكان آخر.

ولذلك، يفترض بعض المراقبين السياسيين، بأن ما حصل للمالكي في العراق وللحريري في لبنان، ليسا سوى مؤشرين بالغي الدلالة إلى انفتاح الأفق السياسي والاقليمي والدولي على التهدئة، وليس على التصعيد، بحيث أن الأمور يفترض أن تنحو باتجاه إيجابي بعد أن كان الظن أن الدنيا آيلة إلى الخراب التام.

ويعتقد هؤلاء أن الأمر في الشأن اللبناني وخصوصاً في شأن رئاسة الجمهورية، يتماشى مع المناخات التسووية وليس العكس، وهذا يعني أن ميشال عون في لبنان، لن يكون “أعز” من المالكي في العراق، إذ أن الأول يشكّل استفزازاً لنصف اللبنانيين، مثلما شكّل الثاني استفزازاً لنصف العراقيين. وإذا حكمت لغة المنطق، فإن “حلحة” في الملف الرئاسي قد تكون قريبة…