دورة التاريخ: الحيوية الايرانية والذاكرة المخصية

بشار العيسى (الأنباء)

عُهِد بالسلطة العليا للخليفة العربي فتنازل عنها  للسلطان التركي، فوضعها هذا بين يَدَيَّ الوزير الفارسي .  “نظام الملك”

في سنة 1991 تمّ بمبررات متأخرة متفق عليها، توجيه ضربة غربية وعربية لنظام حماقة القوة التي صارت لصدام حسين بحجة تحرير الكويت، فانسحبت قواته وإدارته من إقليم كردستان العراق الذي تحوَّل الى مأوى للمعارضة العراقية بما فيها تلك العميلة لإيران على الارض.

ما بين 1994 و1996 أُدير صراع كبير بين القوتين الكرديتين (الطلبانية والبرزانية) بخلفية صراعات عشائرية تذكيها تدخلات ومصالح اقليمية لإضعاف الاثنين معاً لمنع توحدها وتحولها الى قوة فاعلة في عراق ما بعد صدام حسين،. مما سمح بتواجد كل القوى الدولية في الاقليم بحجة التهدئة وضبط الامور، وغدا الكرد ومصالحهم القومية كرة في ملعب لا حدود لعدد لاعبيه.

في سنة 2003 أُسقط نظام صدام حسين ودُمّرت الادارات العراقية المركزية وفي الاقاليم، واخضع العراق لعملية نهب وفوضى لا مثيل لها في التاريخ قبل الحدث السوري الاخير. استغل النظام الايراني هذا الفراغ بضبط اخطبوطي محكم بمرجعيات خبرة مئات السنين. مرجعيات المؤسسات الدينية والحوزات العلمية، التي تحولت الى مراكز أمنية ومالية ودعوية، دون ان تلغي ولا واحدة من تلك التي كانت للشاه بل حولتها لأمر ادارة الفقيه الجديدة: مؤسسة الملالي بما في ذلك البازار وإرث مصدّق.

مع سقوط تمثال صدام على مرأى من البغداديين والعالم ، تشاركت السلطة السورية مع الأيادي الايرانية بقيادة مركزية أمنية واحدة تبين لاحقا ان الجنرال “قاسم سليماني” يمسك الخيوط كلها.

بدأت أولى المحافل الشيطانية منذ الشهر الاول لأسقاط تمثال صدام:

تكفل السيد عبد الحليم خدام بصفته نائب الرئيس السنّي باستدعاء اسبوعي لوجهاء وحمقى وزعماء الجماعة السنية العراقية كحليف وطني وقومي لنظام الاسد في مواجهة الاحتلال الامريكي، في حين ترك أمرك تنشيطها وشيطنتها على الارض لقادة الاجهزة الامنية السورية الايرانية التي عملت بنجاح على اثارة زوابع سنّية عشائرية في وجه السيطرة العسكرية الامريكية كان القصد منها شيطنة الكتلة السنية واظهارهم كسدّ من خلف تنظيم القاعدة وحاضنة طبيعية للإرهاب الجهادي.

بدأت عمليات ضخّ المحيط السني العراقي بعناصر شبابة سنية سورية وعربية وفلسطينية ودفعها بمغريات مالية وعقائدية الى ميدان المواجهة الاستشهادية في العراق السني بتعبير احد جنرالات الأمن السوري: هؤلاء احتياطي سنّي معادي، نرسلهم ليموتوا هناك شهداء الحوريات والتفجيرات كما يشتهون واذا حدث وعاد من بقي حيا نعتقله او نقتله.

وكلّفت بالأمر مؤسسة متكاملة المنظومات: قوموية عروبية و دعوية مشيخية مطعّمين بمثقفين يساريين وقوميين عرب وسوريين ولبنانيين ولا ننسى “حماس”، تلتقي اطرافها بين أيدي أبو القعقاع وعبد الحليم خدام والشيخات القبيسيات وشاكر العبسي (فتح الاسلام) بإدارة عليا امنية سورية.)

أدت الاعمال الحربية التي أوجعت الادارة الامريكية للعراق مما دفعها الى ما يشبه تلزيم إيران بالمقاولة من الباطن بزيارات امريكية عالية المقام الى المرجع الفارسي الشيعي السيستاني دون غيره، في وقت تمت عمليات قتل واغتيال منظمة لرجال دين شيعة عرب من بيوتات عريقة، الى أن اصبحت بالتدريج ولية أمر الشيعة والحاكم الفعلي لراق الادارة الامريكية. لدرجة غدت الادارة الامريكية احدى أدوات شرعنة دورها. تغلغلت الوسائط الايرانية الدينية والامنية كثيرا في الحاضنة الشيعية العراقية بما يسهل عملها لصاح إيران الدولة السلطة وليس مصالح المرجعيات الشيعية العراقية العربية تشابكت الخيوط في منظومة مركبة جعل من الارض السورية والايرانية ممرّا للقاعدة الى العراق وافغانستان حتى لا تصبح مقرا لها تحت بصر أمريكا ومناطق سيطرتها العاجزة.

حدث ان توصلت امريكا، ربما بإيحاءات اسرائيلية وتسريبات إيرانية أن: الجماعة السنية المتشددة خاصة، بغير مرجعية مركزية واحدة يسهل السيطرة عليها وإن وجدت فهي في سوريا وإيران، ولها رؤوس متعددة جهادية لأمراء أطفال مراهقين لا يمكن ضبطهم بغير سيطرة اقليمية محلية، وان السعودية الفاسدة وامارات الخليج اللاهية ومصر الجائعة وتركيا البارونياكية، فشلوا جميعا في لعب هذا الدور المرجعي الضابط، وتوصلت الادارة الامريكية والغرب عموما مؤخرا بعد تجربتي مصر وليبيا أن الاخوان المسلمون ليسوا بالقوى العصرية التي يمكن بها ضبط بلد او الدخول معها في اتفاقات منضبطة بل انهم أشدّ فسادا وطفولية من الجهاديين.

في هذا الفراغ (فراغ السلطة المركزية وفراغ المرجعية السنية او العربية) تحضر ايران بذكاء وقوة وقرار مركزي حازم وحاسم لما ترى فيها امريكا الشريك الشيطاني المقتدر، وهو ما يحدث على الارض. وهي المسيطرة بالفساد ومحرقة فلسطين على اشد الحركات الاسلامية راديكالية الفلسطينية بخاصة.

لكن إيران القوية المنظمة لن ترضى بدور حليف تابع، يعمل لدى امريكا بل كشريك مسيطر يتقاسم القوة مع الاقوياء وبالتالي فطموحات إيران تمتد من هرات في افغانستان الى الشواطئ اللبنانية وضمنا السورية على المتوسط دون ان نتغاضى لحظة عن آمال روسيا المعلقة عليها فالتاريخ المشترك الروسي الايراني له ما يبرره، ولا غرابة ان رأينا مستقبلا في هذا التغيير الديمغرافي للجماعات السكانية في سوريا اسكانا امبراطوريا ( عمليات نقل وإعادة اسكان وتهجير) كما في القرون الغابرة، وهو ما يحدث اليوم في سوريا بمجموعات شيعية افغانية باكستانية عراقية ويمنية وايرانية في مناطق حلب وريفها الشرقي خاصة والقلمون برمته وحمص ومحيط دمشق الذي بدأ تفريغه بحجج اعادة التنظيم وازالة مناطق سكانية شاسعة من الغرب والجنوب، دون أن نغفل المناطق الكردية المحاذية لتركيا..

سيتلهى باقي السوريون بصراعات محلية وتتكفل داعش واخواتها من الكتائب المسلحة بهذه الفوضى التي ستسّهل على ايران او من يحظى برضاها أن يصبح حضورها مطلبا شعبيا في عبثية الفوضى وشمولية التدمير العمراني والاقتصادي