من البصرة إلى بيروت

هشام ملحم (النهار)

القتال على الجبهة الواحدة في العراق وسوريا، سيستمر وقتاً طويلاً ولن يستطيع أي طرف فيه، لا نظاما بغداد ودمشق، ولا القوى المناوئة من “داعش”، الى القبائل السنية المعارضة في العراق وتنظيمات المعارضة السورية المختلفة، تحقيق حسم عسكري واضح. الانظمة التي تعتمد على قاعدة مذهبية او إتنية وتسيطر على معظم أجهزة الدولة من قمعية وخدماتية، مثل النظامين في بغداد ودمشق، تستطيع ان تستمر في الحكم حتى لو كانت محاصرة.

ما يعتبر اليوم “وضعاً غير طبيعي” في البلدين، مرشح لان يتحول وضعاً يمكن التعايش أو التأقلم معه في المستقبل المنظور. الاطراف الاقليميون والدوليون المؤيدون والداعمون مادياً وسياسياً للنظامين، قادرون ومستعدون لإبقائهما على قيد الحياة في المستقبل المنظور، بينما الاطراف الذين يدعمون المعارضين للنظامين غير قادرين، أو الاصح غير مستعدين للتدخل بشكل فعال أو مباشر للتعجيل في اسقاط هذن النظامين.

تلاحق التطورات يجعل من الصعب التهكن أو التنبؤ بيقين بصورة المستقبل المنظور، ولكن يمكن القول ببعض الثقة أن ايران ستبقى في المستقبل القريب الطرف الاقليمي الاهم في ما يجري في العراق وسوريا ولبنان. واذا اصرت ايران، كما قال حديثاً المرشد الأعلى علي خامنئي، على ان تملك 190 الف جهاز طرد مركزي في المفاوضات بينها وبين مجموعة 5 + 1، فان هذا الموقف سيؤدي الى انهيار المفاوضات. واذا حصل ذلك، فان ايران ستقترب من ان تصير “على عتبة” الدولة النووية، أي ستكون لديها كل المقومات التي تسمح لها بالتحول دولة نووية خلال فترة قصيرة من الزمن.

عملياً، هذا يعني ان ايران تكون قد وجهت ضربتين الى حلفاء واشنطن في المنطقة، اقليمياً باتت الطرف المؤثر في منطقة تمتد من البصرة الى بيروت، الى حفاظها على خيارها النووي. (يمكن ايران في هذه الحال تخفيف وتيرة نشاطها النووي لتفادي ضربة عسكرية اميركية، يشك كثيرون في ان الرئيس اوباما يمكن ان يقوم بها).
من ناحية اخرى، لن يتأثر نفوذ ايران الاقليمي سلباً اذا توصلت الى اتفاق نووي مع المجموعة الدولية، لانه لا رابط بين الاتفاق وسلوك ايران الاقليمي. الاتفاق النووي سيخفف العقوبات على ايران، الامر الذي سيعزز قدرتها على تأكيد نفوذها في الدول العربية التي تعتمد عليها.

هذا المشهد يبين مدى فداحة اخفاق ادارة الرئيس أوباما في فهم واستيعاب التطورات والتحولات التاريخية التي عصفت بالمنطقة منذ بداية الانتفاضات العربية والحرب في سوريا والانهيار الاخير في العراق، وتطوير استراتيجية فعالة مع حلفائها العرب وتركيا لمواجهتها بنجاح.