المغول الجُدد

هشام ملحم (النهار)

يوم الاثنين أعلنت مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الاوسط آن باترسون في الدوحة، خلال منتدى اميركا والعالم الاسلامي الذي نظمته مؤسسة بروكينغز للابحاث، ان الولايات المتحدة ستبذل كل ما في وسعها بالتعاون مع حلفائها لاحتواء ومن ثم دحر الخطر الذي تمثله ” الدولة الاسلامية في العراق والشام ” (داعش) التي تسعى الى “ايجاد دولة ارهابية في غرب العراق وشرق سوريا”. يوم الثلثاء، صعقت واشنطن ومعها العالم عندما اجتاح داعش الموصل، ثانية كبرى المدن العراقية، وألحقت بذلك هزيمة ضخمة بحكومة نوري المالكي في بغداد التي كانت واشنطن قد عجلت في الاسابيع الاخيرة في عملية تسليمها انظمة عسكرية جديدة تشمل مروحيات وطائرات من طراز “ف 16″ وغيرها لاحتواء الخطر المتنامي لـ”داعش”.

سقوط الموصل، أكان موقتاً أم لا، سيكون تحولاً مفصلياً في مسيرة العراق في مرحلة ما بعد الغزو الاميركي، لانه كشف هشاشة العراق كدولة موحدة، وضعف التركيبة السياسية في بغداد، واخفاق الدعم العسكري الاميركي للجيش العراقي وخصوصاً في مجال التدريب والتنسيق العملاني، كما يتبين من الانهيار السريع للدفاعات العراقية في المدينة وهروب الجنود بعد تخليهم عن عتادهم.
سقوط الموصل أخطر بكثير من احتلال “داعش” للفلوجة والرمادي، وهما مدينتان أصغر نسبياً وتقطنهما اكثرية سنية عربية. في المقابل، الموصل مدينة يسكنها نحو مليون ونصف مليون شخص ذوي خلفيات اثنية ودينية مختلفة.

وسقوط الموصل يبرز من جديد ظاهرة ضعف الدولة العربية كدولة-أمة Nation state وهذا ما نراه في العراق واليمن وسوريا ولبنان وليبيا. في مقابل هذه الظاهرة، ثمة ظاهرة بروز الجماعات الفاعلة خارج اطار الدولة Non-state actors مثل “داعش” و”حزب الله”. ونرى ان “داعش” تنشط عسكريا في العراق وسوريا، وتسعى الى بناء قواعد في اليمن. والتدخل العسكري لـ”حزب الله” في سوريا، بدعم كبير من ايران، ساهم كثيراً في انقاذ نظام الاسد من الانهيار. وهذه المرة الاولى يساهم فريق لا يمثل دولة مثل حزب الله في انقاذ نظام يفترض ان يحكم دولة عدد سكانها يصل الى 23 مليون نسمة.

حدث مثير بالفعل ان تسقط مدينة بحجم الموصل في ايدي جماعة جهادية ظلامية تكفيرية مثل “داعش” تمارس ذبح وصلب كل من يخالفها وتحلم باحياء الخلافة الاسلامية بمفهوم بدائي. التعامل الوحشي لـ”داعش” مع المسلمين الذين لا يتصرفون بالطريقة التي تمليها، واضطهادها لغير المسلمين كما نرى في الرقة وغيرها، يذكّر بالظلامية التي كانت تزور هذه المنطقة (أو تنبثق منها) بين حين وآخر. الحرائق التي شبت في الموصل والرعب الذي عمّ سكانها يؤشر لمجيء المغول الجدد.