حالتا فصام

حسان حيدر (الحياة)

يكاد التطابق يكون شبه تام بين سياسات النظامين السوري والإيراني، الداخلية منها أو الخارجية، وهي سياسات يربط بينها رفضهما القاطع والدائم للاعتراف بالأخطاء، ولازمة لوم «الأعداء» و «الحروب الكونية» عند كل أزمة، وإخفاء القلق الذي يعتريهما من احتمال أن تؤدي الانتفاضة ضد الأول والعقوبات المتزايدة على الثاني، إلى انهيار أحدهما أو كليهما، أو على الأقل إلى فك الارتباط بينهما.

ففي الخطاب الأخير الذي ألقاه الرئيس السوري بشار الأسد، تجسدت المكابرة والقفز على الوقائع في أقصى حالاتهما، فبدا كأنه يتحدث عن دولة أخرى غير سورية، أو عن مشكلة محلية صغيرة في مدينة سورية صغيرة، وليس عن ثورة تعم أرجاء بلده وقد أسقطت سلطته عن أجزاء كبيرة منه وتهدد ما تبقى منها.

وفي عينة صارخة لمرض ضعف الذاكرة التقليدي لدى الطغاة، كرر الأسد الشعارات نفسها التي يستخدمها منذ نزل شعبه إلى الشوارع قبل عامين مطالباً برحيله، فطرح مبادرة خيالية ووضع شروطاً أكثر خيالاً، وسخر من «ربيع سورية»، متوعداً السوريين بأنه سيواصل قتلهم حتى لو قبلوا بوقف إطلاق النار، ومتجاهلاً أنه هو المحاصر في جزء من عاصمته، لا ينام ليلتين في المكان نفسه، ويخفي مكان وجوده حتى عن المقربين منه، مخافة اغتياله بالسم أو بالقنص.

ووصل به الأمر حد تجاهل سقوط ما يزيد عن ستين ألف قتيل ومئات آلاف الجرحى والمعتقلين وملايين النازحين، أو أي ذكر لجهود الموفد الدولي والعربي الأخضر الإبراهيمي الساعي لمرحلة انتقالية في سورية.

أما القيادة الإيرانية التي اعترفت بأن صادراتها النفطية خلال العام المنصرم انخفضت إلى النصف وأنها مرشحة للمزيد من التراجع، وان خسائرها المالية تقارب خمسة بلايين دولار كل شهر نتيجة نظام العقوبات الذي يضغط بقوة على مفاصل اقتصادها، وأن رحلات طيرانها الداخلي توقفت لعدم تمكن شركتها الوطنية من دفع ثمن الوقود، فتصر على مواصلة الإنفاق الهائل وغير المبرر على التسلح وكأنها في أزهى أيامها، وليست محاصرة ومعزولة.

وهي توجت حال الإنكار هذه بإجراء مناورات عسكرية جديدة مكلفة في الخليج لاختبار قدرتها على إغلاق مضيق هرمز والسيطرة على الملاحة الدولية فيه، معتبرة أن مشكلتها ليست في الداخل الذي يعاني من تراجع في السياسة والمعيشة بل في «مؤامرات» الخارج، على حد قول مرشدها، الذي استغرب الدعوات الصادرة، حتى من قلب نظامه، إلى تأمين النزاهة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، متسائلاً: «أي دولة تنظم انتخابات أكثر حرية من إيران؟»، وكأن الثورة الخضراء لم تحصل في 2009 ولم يسقط فيها مئات القتلى والجرحى، أو أن السجون الإيرانية ليست ملأى بآلاف المحتجين على التزوير في الانتخابات السابقة وان قادة المعارضة ليسوا قيد الإقامة الجبرية وممنوعين من ممارسة العمل السياسي.

دمشق وطهران تعانيان من حال فصام عن الواقع، لكنه فصام اختياري يستند إلى مبررات أيديولوجية تجعل نظاميهما يلجآن عمداً إلى رفض الحقيقة ما لم تتطابق مع ما يفترضان أنه «الصحيح» و «الطبيعي»، وينكران وجود أسباب دفعت شعبيهما إلى التعبير عن اليأس من إصلاح النظامين والمطالبة بتغييرهما. ولان المشكلة هي نفسها في دمشق وطهران، فإن ما بدأ في سورية لن يتأخر كثيراً في الوصول إلى بلاد فارس.