انفجار الضاحية: من المسؤول؟

حسان حيدر (الحياة)

يتقاسم «حزب الله» المسؤولية عن تفجير بئر العبد مع الذين خططوا له ونفذوه. فمنذ قرر أن يختصر سورية كلها بنظام الأسد، وأن يعتبر شعبها الثائر مجرد «مجموعات تكفيرية»، وأن يفترض بدون مبرر أو وجه حق أن أي نظام جديد في دمشق سيكون حتماً ضد «المقاومة»، إنما كان يستعدي ليس فقط الثورة السورية، وإنما الغالبية الساحقة من اللبنانيين والعرب الذين يؤيدونها ويرون فيها أملاً في تغيير النظام الدموي وكف شره إلى الأبد.

ومنذ أن امتثل الحزب لأوامر طهران –وهو ليس غريباً عنها ولا يمتلك أصلاً القدرة على رفضها– بإرسال رجاله للقتال دفاعاً عن حليفها الوحيد في المنطقة، كان يفتح علناً جبهة ادعى طويلاً أنه حريص على إغلاقها، هي جبهة الفتنة الشيعية–السنية، مع ما يعنيه ذلك من توريط «بيئته الحاضنة» المغلوبة على أمرها في فعل وردِّ فعل من نوع ما حصل امس الأول، يدفع فيها أبرياء ثمن مواقفه من أمانهم ودمائهم، مثلما دفعه قبلهم مدنيون سوريون صادف وجودهم في مناطق عملياته.

كان الحزب يعرف بالتأكيد أن ذهابه إلى الحرب السورية سيعني لاحقاً إحضار الحرب السورية إلى عقر داره. وكان يعرف أن القتل الذي تورط فيه في حمص وحلب ودمشق بذرائع لا تقنع سواه، لن يبقى محصوراً في الحيز الجغرافي الذي اختاره ودعا اللبنانيين المحتجين على تدخله إلى مواجهته فيه، بل سينتقل حتماً ليطاول «مناطقه». لكن هذا كان قراره الواعي الذي لا عودة عنه، ومعركته التي اختار خوضها حتى النهاية، ورهانه الانتحاري على الربح الكامل أو الخسارة الكاملة، غير عابئ بالنتائج التي ستترتب حتى على طائفته نفسها.

ولهذا تغدو دعوات السياسيين اللبنانيين التي وجهت إلى الحزب بعد التفجير لمراجعة مواقفه وإعادة النظر بتورطه في حرب عبر الحدود، كلاماً في الهواء لن يلقى منه أذناً صاغية ولن يكون له أي تأثير على ارتباطه المصيري بنظام الأسد. فهو من الذين دافعوا في الماضي بكل قوة عن إزالة الحدود بين لبنان وسورية، ومارس سابقاً ويمارس حالياً إلغاء هذه الحدود عملياً، مع فتحها أمام الآلاف من مقاتليه، ومع ما يتردد عن «الخطة ب» لوصل «الدولة العلوية» المفترضة على الساحل السوري بالضاحية الجنوبية لبيروت.

لقد اختار «حزب الله» أن يسقط حكومة ميقاتي ويسقط معها شعار «النأي بالنفس» الذي كان يخرقه سراً بعدما صار مضطراً إلى تجاوزه علناً، ولذا لن يسمح بتشكيل حكومة جديدة قد تعيد رفع الشعار نفسه وتسعى إلى تطبيقه، إذا كان ممثلاً فيها، كما لن يسمح بتشكيل حكومة من دون مشاركته. وهذا يعني أن الفراغ في لبنان مستمر وسيمتد ليطاول المؤسسات الدستورية واحدة تلو الأخرى، طالما أنه يخدم هدفاً أبعد يرتبط بمصير الدولة اللبنانية نفسها وسيادتها على أراضيها عموماً، وعلى حدودها خصوصاً. أما الأمن فيه، فمرتبط ليس بمستوى تحصين «مربعات الممانعة»، وقد ثبت أنها قابلة للخرق، بل بانحسار التدخل الإقليمي الخارجي، ولا سيما الإيراني، في شؤون العرب وثوراتهم، واستنتاج الحزب بالملموس أنه دخل حرباً لن يربحها في المدى البعيد، حتى لو حقق «انتصارات» مرحلية واهية.