مختطفات السويداء واعتراف بشار الأسد

ماهر شرف الدين (زمان الوصل)

خلال استقباله لعائلات مختطفات السويداء اللاتي تمَّ “تحريرهنَّ” قبل أيام، قال بشار الأسد العبارة التي تُعتبر أوَّل اعتراف رسميّ من النظام بأنه أخلى، عسكرياً، المنطقة الشرقية في محافظة السويداء قبل هجوم “داعش” على قرى تلك المنطقة.

قال الأسد في سياق حثّه الشباب الدرزي على الالتحاق بالجيش لملء النقص العدديّ فيه: “حين صاروا يسألون: أين الجيش في المنطقة الشرقية؟ لماذا هو غير موجود؟ قلنا لهم: إنه موجود في المنطقة الغربية”.

بالطبع، تأتي أهمية هذا الاعتراف في أنه يؤكّد صدقية الرواية التي تجعل الأسد ليس شريكاً في الهجوم فحسب، بل راعيه أيضاً. فهجوم “داعش” ما كان له أن يتمّ لولا حدثان اثنان:

الأول: نقلُ النظام لأكثر من ألف مقاتل “داعشي” من مخيّم اليرموك إلى بادية السويداء ضمن تسوية جرت بين النظام والتنظيم وكانت عرَّابتها “الإعلامية” المدعوَّة كنانة حويجة.

والثاني: إخلاء الجيش لمواقعه كافَّةً شرقي محافظة السويداء قبل هجوم “داعش” بأيام.

بخصوص الحدث الأول، فقد تمّ توثيقه بالفيديو، حيث جرت عملية نقل مقاتلي “داعش” بالشاحنات إلى منطقتَي الأشرفية والعورة قبل أن ينتشروا في بادية المحافظة. وهو أمر بات محسوماً لدى عامَّة الناس إلى درجة أن النظام لم يجرؤ على تكذيبه إطلاقاً، واكتفى بعدم التعليق عليه. أمَّا الحدث الثاني، فها هو رأس النظام يقوم بتوثيقه -دون أن يقصد- في كلامه أعلاه.

لقد جرى سحب قطعات الجيش من مواقعها شرقي المحافظة قبل أيام من الهجوم، بحجَّة مشاركتها في الحرب المزعومة -والتي لم تحدث- في درعا. وهكذا فُرِشَ السجَّاد الأحمر للدواعش – فرع النظام (الذين نُقلوا بالشاحنات) لكي يهجموا على تلك المنطقة. وبالتالي، فإنَّ ما كان يُعتبر “رواية المعارضة” صار اليوم “رواية النظام” أيضاً بعدما تمَّ تأكيده بلسان الأسد نفسه.

لقد أكَّد الأسد في كلمته لأهل المخطوفين كلَّ ما قلناه عن هدف النظام من تدبير هذه المذبحة في الجبل.

لقد قلنا إن النظام دبَّر هجوم “داعش” لكي يُجبر الأربعين ألف شاب درزي رافض للخدمة العسكرية للالتحاق بالجيش. وها هو الأسد يؤكّد صحَّة كلامنا حيث قال لأهالي المخطوفين بأن كلّ متخلّف عن الخدمة العسكرية يتحمَّل ذنب ما جرى في السويداء! والمعنى أن من يرفض الخدمة في الجيش سيُحرَم من خدمات هذا الجيش.

كلّ من يعيد سماع كلمة الأسد لا يجد فيها غير لوم الدروز على عدم الالتحاق بالجيش وحثّهم على الالتحاق. الحياد لن يُجنّبكم المذبحة. هي ذي خلاصة الكلمة.

استشهد بسلطان الأطرش الذي عمل أبوه حافظ الأسد كلّ ما في وسعه لطمس تراثه وتهميشه حياً وميتاً. استشهد بثورة سلطان الأطرش ضدّ الاستعمار، غافلاً عن أن آخر رسالة بعثتها الأطرش لأبيه الدكتاتور كانت برقيةً، غاضبة وعقلانية، بعد حملة الاعتقالات الشاملة التي طاولت كبار ضبّاط الدروز في الجيش، والتي قال له فيها: “لقد اعتاد الجبل وما يزال أن يقوم بالثورات لطرد المستعمر، ولكن شهامته تأبى عليه أن يثور ضدّ أخيه ويغدر ببني قومه. هذا هو الرادع الوحيد” (كانون الأول 1966).

لكنَّ الرادع الذي ردع سلطان الأطرش عن مواجهة فئة من السوريين، لم يردع هذه الفئة التي قادها آل الأسد عن القيام بحرب إبادة أهلية.

في المحصلة، اعترف بشار الأسد، بشكل صريح، بأنه سحب جيشه قبل الهجوم بأيام، واعترف، بشكل مبطَّن، بأن سبب الهجوم هو عدم التحاق شباب الدروز بالخدمة العسكرية.

ما قلناه بغضب… قاله الأسد بوقاحة.

ما قلناه ونحن ننال سهام التخوين… قاله الأسد وسط التصفيق والأهازيج.

كان أَوْلى بأهالي المختطفين أن يُذكّروه بعشرات الشهداء من الشباب الذين فزعوا من مختلف أنحاء الجبل لصدّ الهجوم، والذين كان بينهم من هو رافض للخدمة العسكرية.

كان أوْلى بأهالي المختطفين أن يرفعوا صور هؤلاء الشباب الذين دفعوا حياتهم لأجلهم، بدل أن يرفعوا على أكتافهم المجرمَ الذي أشاد أمامهم بجيشٍ أخلى مواقعه قبل بدء الهجوم.