المطران كبُّوجي

وهبي أبو فاعور

لمع إسم هذا المناضل العروبي في فلسطين الجريحة في سبعينيات القرن الماضي. ولم يعترف بأوامر الإحتلال في ممارساته وعباداته واحتضانه لشؤون رعيته في القدس الشريف. وسطّر وقفات مجد وفخار بإسم أبناء الأرض في وجه المحتلين الصهاينة، ما أدى به إلى التشرّد خارج الوطن. وكانت المكافأة من عظيمين من القادة الكبار: قداسة بابا روما وفخامة ياسرعرفات، وموقفاً مقدّراً وكبيراً في قلوب العرب وعقولهم.

وفي سنة 1972، وكانت الحركة الوطنية في أوجّ تألقها وبصماتها ظاهرة في الإتحاد الوطني لطلاب الجامعة اللبنانية وفي الإتحاد العمالي العام وحركة مزارعي التبغ لتنفجر دماً في كانون الثاني. فيما شهداء العمال في معمل الغندور يُزفون عرساناً للمقابر.

قصدت بمعية الرفيق الطيب الأمير طارق شهاب صيدا لعقد اجتماع مع الأستاذ حسيب عبد الجواد رئيس الإتحاد الوطني للعمال والمستخدمين في الجنوب، لتنسيق الجهود والخطوات لحركة مزارعي التبغ الهادفة إلى الإضراب ضد شركة الريجي المحتكرة لزراعة وتصنيع وبيع التبغ في لبنان.

كان توارد الأفكار هو الغالب وتحديد المشترك بالاتفاق مع حلفائنا الأساسيين في اليسار الوطني. أما المواضيع الشائكة فكانت تحال بإرادة المحاورين إلى المعلّم كمال جنبلاط.

وفيما النقاش على وتيرة هادئة والنقاط الإيجابية تسجل على ورق المحضر، حتى انقطع الجميع عن الكلام تهيباً لقادم وقور يرتدي بِزة الرهبان ويرفع يديه الملوثتين بالتراب معرّفاً عن نفسه أنّه المطران إيلاريون كبوجي قاصداً فلسطين عبر الناقورة ويرغب بتأمين دولاب لسيارته المعطلة على مقربة من مكاننا.
تغير الجو وارتفع منسوب الفرح وتحول النقاش على فنجان قهوة من قضايا العمال إلى قضية العرب في فلسطين والمحافظة على الوجود العربي المسيحي فيها، فأفرغ الراهب المجاهد ما في جعبته من مخاوف وأسرَّ لنا بما يتعرّض له المسيحيون من تمييز عنصري صهيوني بحق مقدساتهم وأوقافهم، والخوف على المستقبل ضاهر في تأوهاته التي تصطدم بجبال التهويد ولغة التنازل العربي حيث الكل نيام وفلسطين تبكي.

يسرّني بعد هذه التوطئة أن أقدّم تحية من القلب إلى الراهب الكبير لشجاعته وعروبته وكهنوته، والتحية أيضاّ للرفيق المناضل الأمير طارق شهاب والرحمة للنقابي المناضل حسيب عبد الجواد.

(الأنباء)