جبل العرب – جبل الأحرار (الحلقة الثالثة والأخيرة) 

وهبي أبو فاعور

شارك لبنانيون كثر من القادة والمتطوعين في الثورة السورية الكبرى وكانوا في معظمهم من جبل لبنان ومن الأسماء الساطعة الأميران شكيب وعادل إرسلان والقائد العسكري فؤاد سليم وعادل نكد وفوزي بك القاوقجي من طرابلس وكانت حركة لافتة يومها لحكماء حاولوا أن يطوروا في جبل العرب وفي طليعتهم عبدالله النجار وعارف النكدي ورشيد طليع وفؤاد حمزة.

بلغت المظالم الفرنسية درجة قصوى من الإضطهاد والتعسف وقابلت طلب الناس للحربة بالرصاص والمدافع فأغرقت البلاد الثائرة بوابل التقتيل والتدمير ومن أشهر مظالمها:

– إحراق بيت الأمير محمود الفاعور بعد معركة الخصاص.

– تدمير بيت سلطان باشا الأطرش بالطائرات سنة 1922.

– الغدر بدروز راشيا الذين كانوا قد لجأوا للإحتماء في القلعة.

– هدم وإحراق حي الميدان في الشام ثلاث مرّات خلال ربيع 1926.

– تدمير كافة القرى التي كانوا يحتلونها.

– إلقاء جثة القائد أحمد مريود طيلة النهار في ساحة المرجة.

– وضع الضابط الفيصلي أحمد الخطيب في الإقامة الجبرية وتهديده بإحراق بلدته شبعا إن خرج منها وهو لم يخرج إلا مرّة واحدة ليلاً لقراءة الفاتحة وزيارة ضريج الشهيد فؤاد سليم في مجدل شمس حسب مذكراته.

– الفتك بالأسرى تحت شعار أن لا حاجة إليهم.

فشلت الثورة نتيجة تفاهم الراعيين المنتدبين الفرنسي والإنكليزي وانتقل مركز المقاومة إلى واحة الأزرق التي وإن كانت دولياً في حدود الإمارة الأردنية إلا أنّها في نظر الدروز تعتبر من مراعي الجبل ولهم فيها الأملاك من نخيل وآبار ملح.

هاجم الإنكليز الأزرق وأحرقوا خيام الثوار وأمسكوا عنهم ماء حسان وماء العنقية ونزلوا عليها، فعزت قطرة المياه على الثوار المنكفئين.

وهكذا لم يجد الثوار أمامهم إلا صحارى نجد فقصدوها وحلوا بأرض النبك في وادي السرحان بعد أن مهد لهما بالبقاء هناك الرئيس شكري القوتلي والأمير شكيب إرسلان بوساطة الملك إبن مسعود وكان عددهم ألفاً وثلاثماية وستين نفساً أنهكم الجوع والشتاء والمرض والتقتيل والتشريد.

هذه السويداء المنيعة التي قدمت من أصل عدد سكانها البالغين يومذاك 52 ألفاً ما يقارب الألفي شهيد والألف الآخر بين مشوه ومعاق إضافة إلى جرمانا والغوطة وجوبر والمليحة وقصر العظم في دمشق.

تضحيات كبيرة قُدمت إضافة لما قدمته الجولان وإقليم البلان وحاصبيا وراشيا ومئات البيوت هُدمت واصطفى الموت قادةً عظاماً من أشهرهم : فؤاد سليم- خطار أبوهرموش – أحمد مريود- أسعد كنج أبوصالح.

كل هذه التضحيات يكاد يطويها النسيان ويتبارز الحاقدون بطمس هذا الماضي العابق بالبطولة ويكاد ينسى الجيل الصاعد جيل الشباب أن الذي قاتل فرنسا وثار عليها كمستعمرة لبلادهم هم الجدود الخالدون وليس ما يبثه المتزلفون والمهرجون من جماعة الدراما السورية، محاولة رخيصة هو أن تنسب الثورة لشباب باب الحارة وليس لروادها وقادتها أمثال: الباشا سلطان والدكتور عبدالرحمن شهبندر وحسن الخراط وأبو عبدو سكر ومحمد عزالدين الحلبي والشيخ الأشمر والشهيد الأمير عزالدين الجزائري ونزيه المؤيد العظم والشهداء عادل نكد ونسيب البكري وسعيد العاص وفوزي القاوقجي.

إلى هؤلاء القادة الكبار تنسب الثورة السورية الكبرى في الشام والغوطة وجبل العرب الذي اجتمع كل سكانه في الجهاد من دروز ومسيحيين وبدو.

أراني بعد هذا السرد الموضوعي للتضحيات الجسيمة التي قدّمها الثوار في سوريا كاملةً وفي لبنان بمعظمة أن أناشد السادة المؤوخين والنقاد الفنيين أن يمنعوا هذا التطاول على الثورة ويسموا الأبطال بأسمائهم حفظاً للعهد والأمانة وكي نحظى باحترام الجيل الآتي ونتجنب الرميَ باللعنة والحجارة إن أنكرنا على الأجداد شجاعتهم وسلبناهم بسكوتنا حقهم بدخول التاريخ العربي من أبوابه الواسعة.

* المرجع : الثورة السورية الكبرى- سلامة عبيد- دار الغد.