الانقلاب على السلسلة لعبٌ بنار حارقة

نبيل بومنصف (النهار)

نجحت المدارس الخاصة الى اليوم في التهرب من دفع الدرجات الست للاساتذة مع التزامها دفع سلسلة الرتب والرواتب الجديدة وإنْ بتأخر اشهر قليلة عن موعد سريان القانون بنشره في الجريدة الرسمية. لكن السلسلة صارت في القطاعين العام والخاص واقعاً لا يمكن الهروب منه او التراجع عنه رغم الوضع المالي والاقتصادي المتردي وافتقاد الخزينة العامة الاموال الضرورية لسداد مصاريف الدولة.
إن مطالبة رئيس الهيئات الاقتصادية محمد شقير، مرارا وتكرارا، بإلغاء السلسلة، مبرَّرة ومنطقية نظرياً وفي قراءة الارقام وتحليلها، اذ ان السلسلة ليست فقط في قيمة ما ترتبه على الخزينة العامة حاليا، بل في المستحقات المقبلة الناتجة منها، ذلك ان قيمة رواتب وتعويضات التقاعد ستتضاعف ما يشكل عبئا اضافيا لا يُحتمل على خزينة فارغة. فعدد المتقاعدين يتضاعف والاعباء تتراكم. وأزمة رواتب التقاعد باتت معضلة عالمية ولا تقتصر على لبنان.

في اليومين الاخيرين، بدأت اصوات نيابية تحذر من محاولات الانقضاض على السلسلة، باعتبارها “حق وسوء ادارة الدولة هو الباطل” وفق النائب هادي ابو الحسن الذي قال: “ابتعدوا عن حقوق العمال والموظفين ولا تتجرأوا”، وزميله في “اللقاء الديموقراطي” النائب فيصل الصايغ الذي سبقه فاعتبر أن “سلسلة الرتب والرواتب باتت حقا مكتسبا لأصحابها، بعد نضالات وتضحيات. كما أن معظم المستفيدين منها استدانوا على أساس رواتبهم الجديدة، ما يعني أن أيّ تفكير في تعديل السلسلة أو التراجع عنها لن يخلق حلولا، بل سيولّد مزيدا من المشاكل”.

يبدو جلياَ ان حملة انطلقت او ستنطلق لإعادة النظر في السلسلة، وربما تتحول مادة جدلية وخلافية في البلد الذي لا يحتمل مزيداً من التعقيد. لكن العمل على ضبط الانفاق واعتماد سياسة تقشف صارمة لا يكونان بالاستقواء على صغار الموظفين ومحاولة “تشليحهم” الزيادات على رواتبهم، بل يمكن ان تكون في مجالات اخرى ابرزها:

– تخصيص الكهرباء وتوفير ملياري دولار سنوياَ. وليس واضحا لماذا لا تُعتمد هذه الخطوة منذ زمن بعيد إلا اذا كان صحيحا ما اوردته مجلة “ايكونوميست” الشهر الماضي، بأن كارتل النفط المستفيد من الكهرباء يمنع تغيير السياسات الحالية، بواسطة سياسيين يستفيدون منه.
– الاصرار على عدم توظيف اي شخص جديد وعدم التعاقد على انواعه، بل نقل موظفين فائضين من وزارة الى اخرى لتسيير الاعمال. حتى الاجهزة الامنية والعسكرية يجب ان تتدبر امورها بالموجود، وان ترفع سن التقاعد فتوفر على الخزينة اعباء كبيرة.
– فرض رسوم حقيقية على الاملاك البحرية المحتلة او مصادرتها وبيعها من جديد بما يوفر للخزينة مبالغ طائلة.
– فرض رسوم على الابنية المقامة على المشاعات واملاك الدولة في غير منطقة، بغية تشريعها، بما يضمن للخزينة مدخولا كبيرا.
– ضبط الجمارك برا وبحرا وجوا واستيفاء الرسوم المفروضة على كل انواع الاستيراد بدل التلاعب بشهادات البضاعة المستوردة وتحديد رسوم مخفّضة.

إذا تحققت هذه الامور او بعضها، تتوافر الاموال الضرورية لدفع النفقات. أما ان يُستقوى على الفقير لمصلحة المافيات المستمرة في فسادها، فحينها تكون ثورة لم يسبق لها مثيل في لبنان.