رحلت بجرعة زائدة!

نبيل بومنصف (النهار)

على صعوبة تصديق معظم ما هبط علينا من تنظير في هذا الذي يصور كأنه حدث استثنائي مع استقالة الحكومة في بلد يفترض انه ديموقراطي، واقل الايمان ان تستقيل فيه حكومة تآكلت وانهارت، ترانا مدفوعين بمجرد الفضول لسؤال فريقي “الاكثرية الراحلة” عما عنته لكل منهما نهاية هذا الزواج؟

حاز الثلاثي الوسطي الذي يضم الرئيسين سليمان وميقاتي والنائب جنبلاط قصب السباق في المنطق الدستوري، فوضع حدا لحكومة كادت أن تتحول غطاء للاستباحة وتفريخ الازمات على كل المستويات. مع ذلك تستدعي الموضوعية مساءلة الفريق الوسطي لماذا الآن وليس قبلاً؟ ولماذا اصلا القبول بدفتر شروط الفريق الشريك الحديدي المعروف سلفا؟ وألم تكن الاستجابة لدفتر الشروط آنذاك، امتهانا للاصول الدستورية؟ فحتى مع “الاوسمة” التي تتكرم بها المعارضة الآن على الثلاثي الوسطي، ثمة مسؤولية اساسية على هذا الفريق يتعين عليه مراجعتها بتعمق قبل “ارتكاب” ما يماثلها.

اما ما يعني فريق 8 آذار فتكتسب المراجعة مذاقا مرا مختلفا ان شاء الثنائي “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” تحديدا، ومن دون اعفاء ركنه الثالث الرئيس بري ولو بدرجة اقل، التخلي عن المكابرة لمرة.

لقد اثبت انهيار التساكن بين اطراف الاكثرية الراحلة في هذا التوقيت ان شيئا لم يتبدل في طبائع فريق 8 آذار بين الانقضاض على “السين سين” وقلب حكومة الحريري والتسبب بتفجير حكومة ميقاتي. ولم يكن الرفض المزدوج لتشكيل هيئة الاشراف على الانتخابات والتمديد للواء اشرف ريفي سوى نسخة مطابقة لرفض الفريق نفسه، تنازلات الحريري في تسوية “السين سين” بقصد اطاحته.

ولعلها مفارقة لا ندري كم اضحى هذا الفريق قابلا للاعتراف بها ان يلجأ الى تغطية تسببه لنفسه بخسارة سلطة نجح في وضع يده عليها زهاء سنتين، بالتهمة الجاهزة اياها التي فطر على رميها في وجه خصومه، وهي الانقياد لارادات واوامر خارجية. كان يمكن الاخذ بهذه التهمة لو لم يكن فريق 8 آذار على بينة ويقين مسبقين من ان ميقاتي لن يقوى “مرة ثالثة” على تحمل الجرعة الزائدة وسط تفاعل مخيف يشهده الشارع السني. ولكن ماذا عن “تغني” فريق 8 آذار بالعلاقات الخارجية الواسعة لرئيس الحكومة الذي وفر الدعم الدولي “لحكومة حزب الله”؟ ولماذا انهار هذا المنطق فجأة فأضحى الغطاء الدولي اوامر عمليات من سفارة او من مراجع غربية؟

لعلها اشبه بتجربة الزوج العنفي الذي يغطي الطلاق بزعم الخيانة الزوجية. وحتى لو حصلت “الخيانة”، ثمة درجات متفاوتة في مسؤولية تجرع المرارة مع رحيل اكثرية لا تجد من يأسف على روحها.