الشرق الأوسط ما بعد “ذي أتلانتك”…

جهاد الزين (النهار)

كانت المقالةُ الطويلة جدا التي كتبها جيفري غولدبرغ في مجلة “ذي أتلانتيك” تحت عنوان “نظرية أوباما” والمؤرّخة عن شهر نيسان المقبل! … كانت حديثَ كل الطبقات السياسية في العالم خلال نهاية الأسبوع المنصرم ولاسيما في الشرق الأوسط والعالم العربي وأوروبا.

غَيْرُ التلفزيوناتِ وبرامج “التوك شو” والصحف، أظن أن نسخة كاملة من مقالة غولدبرغ كانت طبَقَ القراءة المفضّل أو المقيت لدى كل سياسي حاكما أو نافذا أو مراقبا أو معارضا في معظم العالم، ومن فاته الطبق سيسارع إليه ويجب أن يسارع إليه.
إنها في الواقع مقالة باراك أوباما الذي يبدو منذ توقيع الاتفاق النووي السداسي مع إيران أنه يحب أن ينقل أفكاره ونظرته للأمور عبر بعض الصحافيين المختارين نذكر توماس فريدمان في “النيويورك تايمز” واليوم جيفري غولدبرغ في “ذي أتلانتيك”.
لكنْ ما فعله عبر غولدبرغ تجاوز سابقته إلى حد أن قارئ المقالة يشعر أنه يستمع مباشرة إلى حديث في مجلس خاص للرئيس الأميركي بحضور عدد من معاونيه… فالكاتب ودون مواربة يقول “قال لي الرئيس” و “قال لي فلان” وهذا الفلان هو إما مسؤول حالي أو سابق أو خبير معتمد أو…
يبدو لي أن الرئيس أوباما قد دخل مرحلة الاهتمام المبكر بالدفاع عن موقعه في التاريخ الأميركي والعالمي قبل أشهر من نهاية ولايته. لذلك أخطر سؤال حول هذه المقالة وأكثرها جوهريةً بعد اليوم هو التالي:
هل سياسة الرئيس أوباما تعني تغييرا ثابتاً في الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط، أم هي نهج خاص بالرئيس وإدارته لن يستمر بالصيغة ” الانقلابية” نفسها مع الرئيس الجديد؟
لو جمعنا كل ملاحظات أوباما المتفرقة في المقالة لبدا، وهذا أخطر ما في الأمر، أنه بات قليل الثقة بل فاقد الثقة بكل مظاهر الحياة العامة العربية، أنظمةً ونخباً، وهو إذ ينتقد بشكل صريح الرئيس التركي رجب طيِّب أردوغان على تسلُّطِيَّتِهِ وعدم تعاونه المتزايدين ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على سياسته الفلسطينية، لكن مستويات النقد لا تطال البنية التركية أو طبعا الإسرائيلية نفسها إذا جاز لي هذا التعبير، أما في الحالات العربية فالنقد لا يتعلّق فقط ببعض الحكام من اتجاهات مختلفة، على قسوته، بل هو في معرض تبرير سياسته الانكفائية يطرح، برأيي، بشكل مباشر أو غير مباشر، كل أهلية نخب العالم العربي على إحداث التقدم والتغيير. ( يعتبر باكستان دولة فاشلة ويضعها كمثل يحتج عبره على تصنيفها حليفة).
أما أوروبا فينتقدها في عدم فعالية سياساتها ولاسيما في ليبيا التي يدعو الغرب إلى نوع من النقد الذاتي حيال تجربة التغيير العسكري فيها. ويبرر أيضا تأييده تسليم أوروبا وخصوصا فرنسا مهماتٍ عسكرية بأنه يوفِّر نفقات على الولايات المتحدة. ورغم نقده لنتنياهو فهو يسجل كم كان الأخير فرحا بإرغام النظام السوري على تسليم أسلحته الكيماوية لكي يبرر (أوباما) خيار عدم التدخل العسكري.
لكن، بعض أطرف وربما أعنف، ما يرد في المقالة هو “حوار” بينه وبين غولدبرغ يبدأه غولدبرغ بالإشارة إلى فيلم ” العرّاب 3″ الذي يستشهد فيه غولدبرغ بكلام العرّاب مايكل كورليوني أنه عندما ظن أنه تخلى عن كل الأنشطة الإجرامية فإذا بالرئيس أوباما يكمل كلام كورليوني : وجد نفسه وقد أرغموه على العودة إليها. إذاً هذا هو الشرق الأوسط بنظره؟!
لا شك أن آسيا الباسيفيكية هي مركز اهتمامه وخصوصا الصين رغم ما يسجله عليها من أن الطريق طويل أمامها رغم ديناميكيتها العالية حيث لا زال الفقر والقمع كبيرَيْن. فـ”المستقبل باسيفيكي” يجزم أوباما، بل هو يقول عن نفسه أنها المرة الأولى التي يصل فيها إلى البيت الأبيض “رئيس باسيفيكي” كونه وُلِد في هاواي وترعرع في إندونيسيا التي لم يكن “إسلامها عربيا” كما كان أيام طفولته حسب قوله.
يبقى الأهم بالنسبة لنا أن أوباما لم يعد يرى الشرق الأوسط مصدِّراً للنفط بل هو مصدِّرٌ للإرهاب. الشرق الأوسط المطلوب “تلافيه”.
شيء ما عميق غير عربي سياسيّاً وليس فقط ضد دول الخليج في هذه الأطروحة الأوبامية باستثناء دعمه (اليائس) قيام الدولة الفلسطينية. ورغم محاولة الكاتب نقلا عن معاونين لأوباما التأكيد أن الاتفاق مع إيران لا يخرج عن نطاق الموضوع النووي. لكن الصحافي في مكان آخر يستعيد قناعة لدى “محيط أوباما” عندما كان سيناتوراً عام 2006 وهي: إيران هي المستقبل في الشرق الأوسط.
يجب أن يُدرس هذا النص في العالم العربي لنفهم ما هو الأكثر جوهرية: هل هذا خيار أوباما أم خيار المؤسسة الأميركية؟ وحدود التعديل هل ستكون شكلية مع الرئيس الجديد أم أكثر كما يغامرالبعض بالمراهنة؟ لأن البحث الفعلي هو أي صورة للشرق الأوسط تجري صناعتها الآن في القرن الحادي والعشرين.
أي حاكم وسياسي واقتصادي ومثقف عربي يستطيع أن لا يكون مشغولاً بهذا السؤال المصيري؟
وأي عربي يجوز أن يسلّم أو يقبل بهذا المصير عندما يرى الرئيس الأميركي أن إصلاح أو تحسين الشرق الأوسط يحتاج إلى جيل كامل .

اقرأ أيضاً بقلم جهاد الزين (النهار)

الموسيقى… وإيران

قانون “جاستا”: النهاية الرابعة للشرق الأوسط القديم

المدينة الأخيرة في لبنان

مائة عام على “روسي ليكس”

أوروبا ضحية انهيار سايكس بيكو

النفط الكردي الغزير في إسرائيل

صُنّاع قرار وصُنّاع نقاش

أيٌّ منْ وجهَيْهِ هو تاريخنا الآتي؟

رسالة إلى الاتحاد الأوروبي: أنتمْ أيضاً في فخِّ الانهيارات العربية

تأملات في أطروحة كيسنجر الجديدة: “الشرق الأوسط عاجز عن تحقيق الاستقرار بنفسه لنفسه

من هي مافيا متحف الموصل؟

“داعش” في نيويورك أقوى ممّا كانت تعتقد الديبلوماسيّة المصريّة

قراءة في نصِّ “استراتيجيّةِ الأمن القومي الأميركي” للعام 2015

صورة الشرق الأوسط الجديد في صيدا وطرابلس وصور

فلسطين تموت عربياً وتولد دولياً

عن بلادٍ كانت تُسمّى سوريا والعراق

الفشل الناجح في جنيف 2: ليس مؤتمراً… إنه مسار

إسرائيل والانهيار السوري: الطيور بلا أقفاص

إسرائيل الدولة الوحيدة المتماسكة في المشرق

عن أكاذيبنا الجَماعيّة عام 2013