المنطقة في زمن داعش: واقع ومفاوضات وصفقات!

صلاح سلام (اللواء)

يبدو أن المنطقة العربية، ومعها العالم كلّه، سيعيش فترة غير قصيرة مع تنظيم «الدولة الإسلامية»، الذي بدأ يتحوّل من ظاهرة إلى واقع سياسي، يحاول فرض وجوده وكيانه في المناطق التي يسيطر عليها بين سوريا والعراق.

ومثل هذا التطور الدراماتيكي، لم يعد مجرّد احتمال قابل للتحقيق، بقدر ما أصبح واقعاً، تعترف به عواصم التحالف الدولي المزعوم، وتتعامل معه حكومات ومؤسسات رسمية ودولية، على إيقاع هذا العجز الدولي الظاهر من حسم الصراع مع «داعش»، الذي تستفيد قيادته من كل دقيقة ضائعة في اجتماعات الحلفاء الفارغة، لتعزيز نفوذها، وتوسيع سيطرتها على مناطق جديدة.

الرئيس الأميركي باراك أوباما كان أوّل من أعطى «شهادة حياة» للدولة الإسلامية، وحدد فترة ثلاث سنوات على الأقل من الحرب المستمرة قبل التمكن من القضاء على ظاهرة «داعش»، هذا في حال تمكن من ذلك أولاً، وبشرط أن يكون جاداً فعلاً في حسم المعركة، وخوضها حتى النهاية، وعدم توريثها لخلفه في البيت الأبيض بعد عامين!
يوميات الغارات الجوية للتحالف الدولي على مواقع داعش، لا توحي بأن أكبر تجمع دولي، يملك من القدرات العسكرية والتكنولوجية ما يوصل جيوشه إلى المريخ، هو عاجز عن حسم المواجهة مع «داعش» خلال أسابيع، أو بعض أشهر على أبعد تقدير!

تردّد الدول الإقليمية والدولية في إرسال جيوشها إلى العراق وسوريا لخوض المعركة الحاسمة على الأرض، بعدما ثبت أن الغارات الجوية وحدها لا تكفي لإنهاء المواجهة لمصلحة التحالف الدولي! وكان أن سلمت واشنطن الميليشيات الكردية والشيعية مهمة خوض المعارك البرية مع مجموعات داعش، بعدما فشلت في إقناع حكومة أردوغان بالدخول «المجاني» إلى ميادين المعارك البرية، والانزلاق إلى المستنقعات العراقية والسورية المتفجرة، من دون أية ضمانات جدّية بالتجاوب مع الشروط التركية!
هذه بعض الحقائق من الميادين العسكرية… فماذا عن النشاطات السياسية والعسكرية؟

* * *
ثمة من يعتقد أن هذا «التساهل» الأميركي خاصة، والغربي عامة، المتعمّد في مواجهة داعش، يدلل على أن مهمات هذا التنظيم لم تنته بعد، أو على الأقل ثمة نوايا أميركية وأوروبية خبيثة، لتوظيف وجود هذا التنظيم في المخططات التي تعد للمنطقة، والتي تُشير إلى تمديد فترة الاضطرابات الطائفية والمذهبية سنوات أخرى، والى احتمال إيصال نيران الفتن والحروب الداخلية إلى دول ما زالت تُعتبر آمنة، وبعيدة عن مثل هذه المناخات!

لعل هذا الواقع، واقع التسليم بوجود «الدولة الإسلامية» فترة غير قصيرة، دفع ببعض الحكومات والمرجعيات الدولية إلى إعادة النظر بموقفها من التنظيم، باتجاه التعامل مع هذا الواقع بما يخدم مصالحها!

تركيا، كانت في مقدمة الدول التي فتحت قنوات تواصل مع تنظيم الدولة الإسلامية، حيث تمكنت من تحرير دبلوماسييها في الموصل بسرعة ملحوظة، وتحولت بعض مناطقها الحدودية إلى قواعد مساندة وتجهيز للمجموعات الداعشية المقاتلة في سوريا والعراق، فيما فتح الإعلام التركي، الرسمي والخاص، مساحات واسعة أمام الخطاب الداعشي، والبيانات الصادرة عن قيادة التنظيم.

دول أخرى مشت على خطى أنقرة، ولو باندفاع أقل، وبشكل مستتر أكثر، بهدف تحرير مواطنيها، أو تجنّب تعريض مصالحها في سوريا والعراق للخطر.

ولكن الخطوة الدبلوماسية الكبيرة التي حققتها قيادة «الدولة الإسلامية» مؤخراً، هي موافقة الفاتيكان على فتح قنوات التواصل والتفاوض مباشرة، بهدف البحث بالإجراءات الممكنة لإعادة المسيحيين إلى مدنهم، خاصة في الموصل، إلى جانب مناقشة الخطوات اللازمة لحماية بقايا المسيحيين المتواجدين في مناطق سيطرة داعش.

ويبدو أن الدوائر الفاتيكانية كلفت الكنيسة المارونية في لبنان بمهام هذه الخطوة التي يجري الإعداد لها حالياً، قبل عقد الجلسة الأولى بين الطرفين في تركيا خلال الأسابيع القليلة المقبلة.

* * *
أما على الصعيد الاقتصادي، فالقدرات المتوافرة للدولة الإسلامية تضاهي إمكانيات بعض الدول التي تحاربها، حيث أجمعت التقارير الأميركية على أن القدرات المالية التي تسيطر عليها «داعش» بلغت أحجاماً غير مسبوقة في تاريخ الحركات الجهادية المماثلة، سواء بالنسبة للسيولة النقدية، أو الموارد الاقتصادية الأخرى، وفي مقدمتها النفط.

وللعلم فقط ، فإن لداعش مكتباً نفطياً في اسطنبول، يتولى إدارة الصفقات النفطية مع العديد من الشركات الغربية، وبينها شركات أميركية طبعاً!
كيف سيتعامل لبنان، ودول المنطقة، مع «زمن داعش»، هذا هو السؤال – التحدّي الأكبر؟

اقرأ أيضاً بقلم صلاح سلام (اللواء)

بين مبادرة الحريري والتزام نصر الله

مبادرة معراب.. نحو المراوحة القاتلة!

من انتخابات الرئاسة إلى مشروع التحالف ما هي بدائل أهل التعطيل..؟

تعثّرت في الداخل.. بسبب الانتكاسة في الخارج!

بالأمس «الفوضى».. واليوم «الانتحار»..؟

التيار العوني.. ومهاوي الفوضى القاتلة!

الأسير.. نهاية ظاهرة أم بداية جديدة؟

أنا.. أو لا جمهورية.. ولا لبنان!

مِن حَرْق الدوابشة إلى إعلان القاهرة هل يفيق العرب من سُباتهم..؟

المفارقة بين الاعتدال والانتحار!

لماذا التفجير المدمِّر للبشر والحجر..؟

عيد التحرير يفقد بهجته..

المصداقية الأميركية على محك القمة الخليجية

القبضة السعودية بمواجهة الجُموح الإيراني: كفى.. كفى.. كفى..!

ماذا بعد العجز السياسي المُتمادي..؟

التوافق لا يعني الإجماع.. ولا يتطلّب التصويت

جرأة الانتقاد.. وشجاعة الحوار!

المصريون عائدون…

الرئاسة: هل يبقى الوقود خارجياً.. والطباخون أجانب..؟

الحوار.. على إيقاع الواقعية السياسية!