الحوار.. على إيقاع الواقعية السياسية!

صلاح سلام (اللواء)

يمكن القول إن الوضع السياسي في لبنان دخل مدار الحوار. أجواء الشحن والتوتير تميل إلى الانخفاض قبل الاختفاء. موضوعات التجاذب والاتهامات تتلاشى تباعاً، مفسحة المجال أمام تمدّد مناخات التهدئة.
الواقع أن مبادرة الرئيس سعد الحريري أطلقت صفارة الإنذار لإيقاف سياسة الجنون والانتحار الوطني، التي كادت أن تقضي على البقية الباقية من مقومات الجمهورية، وأسس النظام الديمقراطي.
كلام الحريري نقل البلد من دوّامة الأزمات المتلاحقة، إلى البداية الحقيقية والواقعية لسكة الحلول المطلوبة، لإخراج البلاد والعباد من مستنقعات الصراعات والانقسامات، ولانتشال الجميع من متاهات الإحباط واليأس.
لقد عانى اللبنانيون، وعلى مدى عقد ونيّف من الزمن، من ويلات الخلافات السياسية، وانعكاساتها الطائفية والمذهبية والمناطقية، ودفعوا أثمانها باهظاً من حياتهم الاجتماعية، ومستوى معيشتهم الاقتصادية.. وحتى في افتقادهم للأمن والاستقرار، الشرطين الأساسيين لنمو وتطور أي مجتمع مدني.

ولأن اللبنانيين اكتووا بنار نكسات الحوار أكثر من مرّة، فإن السؤال الذي يشغل كل لبناني يراهن على الحوار نهجاً لحل الخلافات الداخلية في البلد، هو:
هل تمّ تهيئة الظروف المناسبة لإنضاج الحوار بين المستقبل وحزب الله، والوصول به إلى النهايات الإيجابية المرجوة؟

الرد على مثل هذا التساؤل، المبرّر والمشروع، يبقى من مسؤولية العالمين ببواطن الأمور، والذين يتابعون عن كثب مساعي الرئيس نبيه برّي لإيصال المكونَين الأساسيَين في المعادلة الوطنية، إلى طاولة الحوار.

ولكن لا بدّ من القول بأن المسألة ليست سهلة، ولا هي بمثل البساطة التي يتصوّرها البعض، لأن البنود المطروحة على أجندة الحوار، هي في الأساس ملفات خلافية بامتياز، والتوصل إلى حلول، أو على الأقل، إلى تسويات حولها لن يتمّ بكبسة زر، خاصة في ظل التزام الطرفين، وكما كرّر الحريري أكثر من مرّة في حواره التلفزيوني، بالرجوع إلى الحلفاء، خاصة المسيحيين، للتشاور والتنسيق في الموضوعات المطروحة للنقاش، والمعالجات المقترحة لها.

وثمة ما يُشجّع على التفاؤل بتحقيق بعض التقدّم المنشود في فترة زمنية معقولة، من خلال ما يبدو من جدّية من الطرفين، أكدها الحريري أكثر من مرّة أيضاً، على الإقبال على الحوار من أجل البحث في المعالجات والحلول، بحيث لن يكون المشهد بمثابة «حوار من أجل الحوار».

لم تعد موضوعات الحوار من أسرار الآلهة، والتداول ببنود النقاش من شأنه أن يُعزّز ثقة الناس بشفافية الجولة الحوارية ومصداقيتها، خاصة عندما تتركز الأولويات على إصلاح الخلل المؤسساتي في بنية الدولة بسبب الشغور الرئاسي، وإبعاد شبح التعطيل الذي يلاحق السلطة التشريعية في مجلس النواب، والسلطة الإجرائية في مجلس الوزراء.

هنا، تكمن أهمية مصارحة الحريري للبنانيين بأن التوافق على مواصفات الرئيس العتيد سيكون في مقدمة البنود الحوارية إلى جانب، طبعاً، بند البحث في صيغة قانون الانتخابات المؤجلة، وبند ثالث يطال مهمات الحكومة الوطنية الجامعة، التي ستنبثق عن انتخاب رئيس الجمهورية، وتكلف بإجراء الانتخابات النيابية، في حال تعذر الاتفاق على إبقاء الحكومة الحالية حتى إعلان نتائج الانتخابات المقبلة.

وكان لافتاً بروز هذه الواقعية السياسية في إعداد بنود الحوار، بحيث لم يقتصر الأمر على استبعاد الشروط المسبقة من الطرفين وحسب، بل والتوافق على حصر الحوار في الموضوعات الداخلية البحتة، وإبعاد الملفات الخلافية ذات الطابع الإقليمي، وفي مقدمتها: الاستراتيجية الدفاعية وما يتعلق بسلاح حزب الله، ومشاركة الحزب المستمرة في الحرب السورية.
وهذا يعني بكل بساطة، حرص تيّار المستقبل وحزب الله على استبعاد الألغام التي يمكن أن تهدّد الحوار، أو التي تحول أساساً دون انعقاده.

باستثناء ما أعلنه السيّد حسن نصرالله في خطاب عاشوراء عن الاستعداد للحوار بدون شروط مع تيار المستقبل، اكتفى الحزب بإعطاء بعض الإشارات الإيجابية المرحّبة بالحوار، في حين أن اللبنانيين المعلقين بالكثير من الآمال على هذه الخطوة الوطنية الكبيرة ينتظرون موقفاً أكثر وضوحاً، وأكثر اندفاعاً نحو التلاقي مع الشريك الآخر، للعمل معاً على إنقاذ الوطن مما يتهدده من مخاطر أمنية وسياسية واجتماعية، وجدت في الانقسامات الداخلية البيئة المناسبة لتناسلها، وتكبير تعقيداتها على حساب كرامة واستقرار هذا الشعب الصابر الطيّب.

لقد ارتفع سعد الحريري فوق مستوى الخلافات إلى فضاء رجل الدولة، والمطلوب من حزب الله أن يُؤكّد مرّة أخرى حرصه على الحفاظ على الدولة الوطنية أولاً!

اقرأ أيضاً بقلم صلاح سلام (اللواء)

بين مبادرة الحريري والتزام نصر الله

مبادرة معراب.. نحو المراوحة القاتلة!

من انتخابات الرئاسة إلى مشروع التحالف ما هي بدائل أهل التعطيل..؟

تعثّرت في الداخل.. بسبب الانتكاسة في الخارج!

بالأمس «الفوضى».. واليوم «الانتحار»..؟

التيار العوني.. ومهاوي الفوضى القاتلة!

الأسير.. نهاية ظاهرة أم بداية جديدة؟

أنا.. أو لا جمهورية.. ولا لبنان!

مِن حَرْق الدوابشة إلى إعلان القاهرة هل يفيق العرب من سُباتهم..؟

المفارقة بين الاعتدال والانتحار!

لماذا التفجير المدمِّر للبشر والحجر..؟

عيد التحرير يفقد بهجته..

المصداقية الأميركية على محك القمة الخليجية

القبضة السعودية بمواجهة الجُموح الإيراني: كفى.. كفى.. كفى..!

ماذا بعد العجز السياسي المُتمادي..؟

التوافق لا يعني الإجماع.. ولا يتطلّب التصويت

جرأة الانتقاد.. وشجاعة الحوار!

المنطقة في زمن داعش: واقع ومفاوضات وصفقات!

المصريون عائدون…

الرئاسة: هل يبقى الوقود خارجياً.. والطباخون أجانب..؟