رحل “الأفندي” صاحب القرارات الصعبة / بقلم صلاح تقي الدين

صلاح تقي الدين (الأنباء)

ربما لم بين خيار “الأفندي” الراحل الرئيس عمر عبد الحميد كرامي الدخول إلى معترك السياسة خصوصاً بوجود شقيقه الشهيد “الرشيد” الذي كان بحق أحد الرموز الصعبة للحياة السياسية في الشمال ولبنان بشكل عام.

غير أن اغتيال “الرشيد” وضع “الأفندي” أمام المهمة الصعبة خصوصاً بعد اجتماع “الدوحة الكرامية” على اختياره لمتابعة المسيرة التي بدأها والده الراحل الشيخ عبد الحميد كرامي الذي وضع بصامته على الاستقلال اللبناني الأول.

غير أن الأفندي المفطوم على السياسة لم يخيب الآمال وكان على قدر المسؤولية والتاريخ سينصفه من دون شك لأنه استمر في فرض الزعامة الموروثة رغم جميع الظروف اللاحقة التي عاكسته بدءاً من سطوع نجم الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي فرض نفسه زعيماً شبه أوحد على الطائفة السنية في لبنان، وصولاً إلى الثروات “الميقاتية” و”الصفدية” التي حاولت منافسة الزعامة الكرامية على طرابلس.

لا يختلف اثنان ممن عرفوا الرئيس عمر كرامي على أن حضوره كان محبباً وتمتّع بخفة ظل جعلته ضيفاً مرحّباً به لدى حلفائه وخصومه السياسيين على السواء، وإن “الحقيقة” التي ميّزت خطاباته ومواقفه، كانت من الصفات التي لازمته وجعلته “مصدراً” ملهماً لعدد كبير من صحافيي وإعلاميي لبنان.

عندما قطعت شوارع بيروت ذات يوم من شهر أيار في العام 1992 بفعل إشعال الدواليب ومستوعبات النفايات، وكانت العملة الوطنية تتعرض لأبشع حملة مضاربات راحت معها رواتب كبار موظفي الدولة، لم يتوان الرئيس عمر كرامي لحظة عن تقديم استقالة الحكومة التي كان يرأسها معتبراً أن “الواجب الوطني” يدفعه إلى هذه الخطوة لإفساح المجال أمام تأليف حكومة تأخذ على عاتقها معالجة الوضع النقدي والبدء بحملة إعادة وضع الاقتصاد على مساره الصحيح.

karami

وفي الحكومة الثانية التي كان يرأسها يوم وقعت فاجعة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فاجأ الرئيس كرامي حلفائه قبل خصومه عندما أعلن استقالة الحكومة التي يرأسها وذلك على مسمع آلاف المتظاهرين الذين كانوا احتشدوا غضباً على جريمة اغتيال الحريري ومطالبتهم الحكومة بالاستقالة، وإثر الكلمة العاطفية التي ألقتها النائب بهية الحريري، التي عادت ووصفت الاستقالة بأنها “على مستوى الجريمة وعلى أعلى قدر من المسؤولية”.

عمر أفندي كرامي من القلائل الذين لديهم حس اتخاذ القرارات الصعبة في اللحظات المصيرية،وتاريخه كما ظهر من خلال الاستقالتين مليء بالمواقف الشبيهة والتي لا يبخل أهالي طرابلس بروايتها وتردادها.

رحم الله دولة الرئيس الراحل، وتغمّده الله بواسع رحمته، ولعائلته المباشرة وأهالي طرابلس الكرام الصبر والسلوان.

————————-

السيرة الذاتية

ولد عمر كرامي  في 17 آذار (مارس) 1935 في مدينة طرابلس في شمال لبنان.

دخل ميدان السياسة بعد اغتيال شقيقه رشيد كرامي، رئيس الحكومة السابق، في عز الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990). وسقطت الحكومتان اللتان ترأسهما في المرتين تحت ضغط الشارع، وكان آخرها في 2005 بعد توجيه أصابع الاتهام إلى دمشق باغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري.

عمر كرامي هو نجل عبدالحميد كرامي، أحد رجال الاستقلال اللبناني.

وهو متزوج من مريم قبطان ولهما أربعة أولاد، أحدهم فيصل كرامي وزير الشباب والرياضة السابق.