أين مصلحة حزب الله: في الإنقاذ أم في التعطيل؟

صلاح سلام (اللواء)

لم يكن اللبنانيون بحاجة لسجال «الذهب والخشب» بين رئيس الجمهورية و«حزب الله»، حتى يدركوا أن موجة التفاؤل التي أطلقها تأليف الحكومة السلامية، آخذة بالانحسار شيئاً فشيئاً، على إيقاع المواقف المتباعدة بين فريقي 14 و8 آذار، والتي عرقلت صدور البيان الوزاري، رغم المناقشات الهادئة التي سادت جلسات اللجنة السبع!

العبارات القاسية التي وردت في هجوم الحزب غير المسبوق على رئيس الجمهورية، وبما يمثل في المعادلة اللبنانية، كانت منفّرة، وغير مقبولة من الأكثرية الساحقة من اللبنانيين، ومعهم بعض حلفاء الحزب بالذات.

الخلافات المعهودة حول بعض المفاهيم والشعارات، بين الأطراف السياسية لا تستدعي مثل هذا التطاول على الرئاسة الأولى، ولا تبرّر الذهاب في الكلام إلى الآخر، قاطعين كل خطوط العودة إلى نقطة التلاقي في الوسط ، مهما اشتدت التناقضات، ومهما طالت الصراعات!
ولا يُخفى على الأطراف السياسية، لا سيما «حزب الله»، مخاطر المرحلة الصعبة التي يجتازها لبنان، والمنطقة كلها، والتي تستدعي التلاقي والتعاون لتحصين الجبهة الداخلية، والتصدي للتفجيرات الأمنية، تاركين الملفات الخلافية، والتي نغصت على اللبنانيين عيشهم واستقرارهم، إلى مراحل لاحقة تكون أكثر ملاءمة للغوص في النقاشات السفسطائية.
* * *
لا ضرورة للتذكير بأن لبنان، الرسمي والشعبي، وقف ضد موجة العنف التي تتعرّض لها البيئة الحاضنة لحزب الله ولجمهوره، عبر السيّارات المفخخة والعمليات الانتحارية، ودانت كل الأطراف السياسية هذه الممارسات الإرهابية، رغم اختلافها مع الحزب حول مشاركته في القتال بسوريا، وفق أجندات إقليمية، تُقحم لبنان في صراعات شائكة ومعقدة لا قدرة لوضعه الهش على تحمل تبعاتها.

وجاءت مشاركة الحزب في الحكومة الجديدة، لتؤكد مدى تساهل أطراف سياسية، هي في موضع خصومة مع الحزب، في تجاوز الخلافات المزمنة، والإقدام على ما يُنقذ البلد من حالة التردي والشلل التي أوقعته فيها سياسات التعنت، ومحاولات الهيمنة والتفرّد بإدارة شؤون البلاد والعباد!

ولكن كل تلك المبادرات والمواقف الإيجابية من قوى 14 آذار، لا تُعطي ثمارها المنشودة، إذا لم يقابلها «حزب الله» بشيء من التجاوب المطلوب والضروري، للعمل معاً على عبور هذه المرحلة الصعبة والحرجة، بأقل قدر ممكن من الخسائر على لبنان: الدولة والشعب والنظام والأمن والاستقرار.

والهجوم المفاجئ على الرئيس ميشال سليمان لا يخدم التوجهات الإيجابية التي ظهرت عشية تأليف الحكومة، ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا أن العبارات المنفّرة والتي تناولت رئيس الجمهورية بشخصه، أعادت المزاج الشعبي إلى أجواء التشنج والتشاؤم التي كانت سائدة طوال فترة تعطيل الولادة الحكومية!
* * *
لقد كشفت التحقيقات الأمنية مع الموقوفين من عناصر «كتائب عبد الله عزام» و«جبهة النصرة»، أن مخططات التفجير كانت تستهدف أماكن ذات حساسيات مذهبية معينة، وتحاول الوصول إلى شخصيات سياسية ذات رمزية مذهبية، وصاحبة هالة سياسية وحزبية في بيئتها، بهدف إثارة جمهورها ودفعه إلى ارتكاب ردود فعل عشوائية في الأماكن الموجود فيها، وخاصة في بعض مناطق وأحياء العاصمة، سعياً لإشعال نيران فتنة مذهبية بين السنّة والشيعة، تقضي على ما تبقى من الاستقرار اللبناني، وتؤدي إلى انتشار حالة من الفوضى تفتح الطريق أمام دخول جحافل «الجهاديين» إلى الأراضي اللبنانية للردّ على مشاركة الحزب في القتال في سوريا!
وهنا تبرز جملة من التساؤلات المشروعة:

{{ هل يستطيع لبنان أن يتصدّى لموجة الإرهاب العاتية، إذا كانت جبهته الداخلية معطوبة، وتعاني من تصدّع فادح؟

{{ كيف يمكن وأد الفتنة المذهبية، وتطويق نيرانها في المهد، في ظل هذا التشنج، وما يفرزه من توتر في الشارع الإسلامي خاصة، وعلى امتداد مساحة الوطن عامة؟

{{ هل بقاء البلد بلا حكومة فاعلة، واستمرار بقاء الدولة في دوّامة التسيّب والانهيار، يُساعد على إحباط هجمات الإرهاب، وتفشيل مخططات الفتنة؟

{{ ألا تشكّل الحكومة الجديدة حداً أدنى من الضمانة الوطنية، لكل الأطراف السياسية للعمل معاً من أجل الحؤول دون وقوع البلد في هاوية الانهيار الكامل؟

{{ أليس من الأنسب للحزب وجمهوره وجود حكومة قادرة على استعادة ثقة الخارج بقدرة اللبنانيين على إدارة شؤونهم، وتنظيم خلافاتهم، في إطار المؤسسات الدستورية؟

{{ لمصلحة مَن تعطيل إنجاز البيان الوزاري، ومنح الحكومة الثقة، سوى للعابثين بأمن البلد، والمستفيدين من تراجع هيبة الدولة، واستفحال عجز الإدارات العامة؟

{{ ألا يعني إشاعة أجواء التوتر السياسي عبر سجالات من نوع: الذهب والخشب، ليس شل قدرة الحكومة وحسب، بل و تعطيل الاستحقاق الرئاسي، ووقوع الفراغ المدمّر في الرئاسة الأولى؟

* * *
تساؤلات.. وغيرها كثير، وكلها تصبّ في خانة السؤال الأكبر: ماذا يريد «حزب الله»، أو أين هي مصلحة الحزب:
في الوفاق والإنقاذ.. أم في الصراع والتعطيل؟

اقرأ أيضاً بقلم صلاح سلام (اللواء)

بين مبادرة الحريري والتزام نصر الله

مبادرة معراب.. نحو المراوحة القاتلة!

من انتخابات الرئاسة إلى مشروع التحالف ما هي بدائل أهل التعطيل..؟

تعثّرت في الداخل.. بسبب الانتكاسة في الخارج!

بالأمس «الفوضى».. واليوم «الانتحار»..؟

التيار العوني.. ومهاوي الفوضى القاتلة!

الأسير.. نهاية ظاهرة أم بداية جديدة؟

أنا.. أو لا جمهورية.. ولا لبنان!

مِن حَرْق الدوابشة إلى إعلان القاهرة هل يفيق العرب من سُباتهم..؟

المفارقة بين الاعتدال والانتحار!

لماذا التفجير المدمِّر للبشر والحجر..؟

عيد التحرير يفقد بهجته..

المصداقية الأميركية على محك القمة الخليجية

القبضة السعودية بمواجهة الجُموح الإيراني: كفى.. كفى.. كفى..!

ماذا بعد العجز السياسي المُتمادي..؟

التوافق لا يعني الإجماع.. ولا يتطلّب التصويت

جرأة الانتقاد.. وشجاعة الحوار!

المنطقة في زمن داعش: واقع ومفاوضات وصفقات!

المصريون عائدون…

الرئاسة: هل يبقى الوقود خارجياً.. والطباخون أجانب..؟