لماذا تغلب الشكوك على الاستحقاق الرئاسي؟ الاختبار المقرّر يبدأ بعد جلسات الثقة

روزانا بومنصف (النهار)

يغدو الكلام على الاستحقاق الرئاسي اشبه بالمعميات كلما تصاعدت تعقيدات في الوضع الداخلي او نشأت تطورات جديدة على المستوى الاقليمي. ولا تخفى هذه الحالة الضبابية عن التضارب الشديد في التقديرات والتوقعات التي تحفل بها الكواليس السياسية والمرشحة للاحتدام بعد الانتهاء من اجراءات صياغة البيان الوزاري للحكومة ومثولها امام مجلس النواب لمناقشة البيان والتصويت على الثقة.

ومع ان هذا الموعد المبدئي يفترض ان يطلق الحمى الرئاسية على غاربها باعتبار ان نيل الحكومة الثقة سيزيل آخر الاستحقاقات امام انطلاق العد العكسي للاستحقاق الرئاسي الذي تبدأ مهلته الدستورية في 25 آذار المقبل غير ان الوقائع الملموسة في الوضع الداخلي لا تزال تتسم بكثير من التردد والتريث بل والحذر في سلوك القوى السياسية الاساسية الا ما اتصل منه بإبداء المواقف المبدئية التي لا خلاف عليها. وهي مواقف من نماذج اقرب الى تحصيل الحاصل كالتشديد على ضرورة اجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها او اهمية حصولها في تحصين الوضع الداخلي وحماية النظام او التمسك بانجاز هذا الاستحقاق نظرا الى انه يمس اولوية اساسية تتعلق بالمنصب المسيحي الاول في الدولة.
في مقاربة اولية للاجواء المحيطة بكواليس الاستحقاق الرئاسي تقول مصادر سياسية على صلة بمعظم القوى الداخلية ان كفة الشكوك في ظروف انجاز الاستحقاق لا تزال غالبة ومرجحة على كفة انجازه في موعده ما بين 25 آذار و25 أيار. وتلفت هذه المصادر الى ان رئيس “تكتل التغيير والاصلاح” العماد ميشال عون بدا من بين قلة في الوقت الراهن ممن يجزمون بانجاز الانتخابات الرئاسية من خلال اجابته عن سؤال في احدى مقابلاته الاخيرة حول احتمال اجرائها في موعدها بقوله “اكيد اكيد اكيد “. ولكن المصادر تعتقد ان العماد عون نفسه لا تخفى عليه الاجواء المشككة بذلك ولو انه اراد اسباغ الجدية الكبيرة على مسعاه لانجاز الاستحقاق سواء لدوافع تتعلق بكونه مرشحا رئيسيا من بين المرشحين المصنفين “اقوياء” او من ناحية موقعه كزعيم مسيحي اساسي الى جانب الزعماء الآخرين المرشحين ايضا بدورهم.
ولكن في مقالب المرشحين الآخرين سواء كانوا من الزعماء او من المرشحين الجديّين يبدو التحفظ غالبا حتى حيال الاندفاع نحو اطلاق حملات مبكرة على الاقل قبل ولوج المهلة الدستورية وربما بعدها بأسابيع قليلة نظرا الى ما يحمله الافق الراهن من اجواء شديدة التلبد والغموض مما يجعل اي خطوات مبكرة عرضة للمجازفات. بطبيعة الحال تعتقد المصادر ان لكل من المرشحين الجديين طريقته في تسويق صورته وحملته في استحقاق لا يلحظ الدستور اللبناني اي اصول محددة لترشيحاته وحتى لا يشترط عليه اعلان الترشيح وفق قواعد معينة. غير ان الامر لا يتعلق بالمرشحين ولا حتى بالقوى السياسية قاطبة مقدار تعلقه بالوضع الذي يسود لبنان عموما ويضع مستقبله القريب في مهب الرهانات اكثر من اليقين.
وتقول المصادر في هذا السياق ان اشد المحاذير خطورة على الاستحقاق الرئاسي بدأت تتمظهر من الآن في ضياع مدة زمنية طويلة كان يفترض ان تستهلكها الاستعدادات لهذا الاستحقاق وذهبت بجريرة الازمة الحكومية التي تمادت طوال عشرة اشهر مما افقد الاستحقاق الرئاسي فرصة التحضيرات الهادئة والموضوعية.
وتضيف المصادر ان الاختبار الكبير الذي يمكن التركيز عليه في المرحلة المقبلة يتعلق بعاملين داخليين وعامل ثالث خارجي لا تستقيم المعادلة الرئاسية من دون بلورتها. العامل الاول يتصل بقدرة القوى المسيحية ومرجعية بكركي على الخروج بصورة مغايرة تماما عن المشهد المسيحي المشرذم بما يمكن ان يفرض قواعد ملزمة لاجراء الاستحقاق في موعده. فاذا كان متعذرا الى حدود الاستحالة التوافق المسيحي على مرشح واحد فان التوافق على تأمين النصاب الدستوري لجلسات الانتخاب يضحي الحد الادنى المطلوب مسيحيا والا لن يكون لأي صراخ مسيحي لاحقا اي صدقية. والعامل الثاني يتصل بترجمة حقيقية وجادة لنيات الشركاء المسلمين في اظهار احترامهم لاستحقاق اساسي لدى الشركاء المسيحيين وعدم التهاون حياله لئلا تترسخ انطباعات شديدة السوء في شأن اتباع معايير مزدوجة حيال الاستحقاقات وتقديم اولويات على اولويات اخرى تبعا لمصالح طائفية ومذهبية على حساب النظام الدستوري والموقع الدستوري الاول في البلاد. العامل الثالث الخارجي يتمثل في اختبار مدى الاهتمام الدولي بهذا الاستحقاق وانعكاس النظرة الدولية الى الاستقرار الدستوري في لبنان كناظم اساسي للعلاقات الداخلية والطوائفية والمذهبية من خلال الرئاسة المسيحية الوحيدة في العالم العربي على ما نوه بذلك الرئيس سعد الحريري اخيرا مرارا وتكرارا.
ولا تعتقد المصادر ان بلورة هذه العوامل الثلاثة سيكون امرا متاحا وسريعا لمجرد بدء المهلة الدستورية للاستحقاق بل ان فترة حبس انفاس طويلة لا تزال مفتوحة قبل جلاء غبار الغموض.