المتحالفون في سوريا متناقضون في مصر وأميركا مربكة عدائية غربية تجاه التحول المصري تساهم في الفوضى

روزانا بومنصف (النهار)

اكتسبت التطورات الجارية في مصر في اليومين الاخيرين أهمية مصيرية في تحديد الاتجاهات التي يمكن ان يذهب اليها الوضع في ظل مخاوف المراقبين من الخارج ان يتجه هذا الوضع الى الفوضى المديدة التي يمكن ان تخرب مصر وتنهك مؤسساتها في عملية الكباش الجارية على الارض، في محاولة اعادة تعديل ميزان القوى لمصلحة الاخوان المسلمين. يخشى كثر على مصر من ان يصيبها ما اصاب سوريا. ولا تساعد جملة مواقف اقليمية ودولية الوضع في مصر وفق ما يبدو، بل على العكس من ذلك تساهم في تعقيده الى حد يمكن معه اعتبار انها تصب الزيت على النار. يندرج في هذا السياق الموقف المعلن لتركيا ومسؤوليها الكبار منذ اطاحة ثورة 30 يونيو حكم الاخواني محمد مرسي. وتخوض تركيا الاردوغانية مع الاخوان في مصر معركة مصيرية لجهة احد خيارين احدهما تعميم المد الاخواني الاسلامي في المنطقة وفق ما بدا من وصول الاخوان الى السلطة في مصر وكذلك في تونس حيث تفجرت الاستعدادات لتعميم هذا الخيار في دول المنطقة او قطع عصب هذا المد والحؤول دون توسعه بناء على ما اصاب حكم الاخوان في مصر، فلم يهدأ المسؤولون الاتراك في لعب دور السياسة الخارجية للاخوان ان في حض الدول الكبرى على مواقف مناهضة للحكم الانتقالي الذي اطاح مرسي او في حض المجتمع الدولي وصولاً الى مجلس الامن. وثمة من يدرج مواقف قطر ايضاً في سياق دعمها للاخوان، بحيث يعتمد هؤلاء على هذا الدعم من اجل تصعيد معارضتهم في الشارع. لكن نقطة الاستياء المصرية المتعاظمة تبدو على حد سواء من الدول الغربية ومن وسائل الاعلام الغربية التي لم تعطَ فرصة حتى الآن للتغيير الحاصل ان يثبت نفسه وتتجاهل الملايين الذين نزلوا الى الشارع في مصر رفضاً لحكم مرسي وفق ما تكشف مصادر مصرية عليمة. اذ ان هذه الوسائل المهمة والمؤثرة لا تخفي عدائيتها ازاء التحول الذي حصل في مصر في تعاطف واضح ومعلن مع الاخوان، خصوصاً ان ذلك بدأ منذ اللحظات الاولى لهذا التحول والضغوط او النقاش الضاغط حول وجوب تسمية ما حصل بالانقلاب العسكري ام لا. وفيما تقول مصادر ديبلوماسية ان الولايات المتحدة تبدو مرتبكة جداً في موضوع مصر، بحيث لا ترغب في ان يعود الاخوان الى العمل السري، وان تحفظ لهم ماء الوجه في الوقت نفسه، فان هذا الارباك تعزوه مصادر عليمة الى واقع مراهنة الولايات المتحدة منذ ما بعد احداث 11 ايلول 2001 الارهابية على تيارات اسلامية ارادت العمل معها في اطار العمل على ردع الارهاب والاسلام الاصولي المتطرف فكانت مصر الباب المؤهل لذلك، خصوصاً في ظل حكم الرئيس المصري حسني مبارك الذي لم ينفك الاميركيون من القلق على من يخلفه في ضوء كلام على توريث نجله وعدم تهيئة مبارك المجال، لأن يخلفه من يمكن ان يكون أهلاً لذلك. فمدت الخيوط مع الاخوان وفي الخلفية حكم الاخوان المعتدل في تركيا وبمعاونة هذه الاخيرة. ولذلك لم يعد خافياً مع صعود الاخوان في مصر وامساكهم بالسلطة ان لا ينزعج الاميركيون للتعامل مع الحكم الجديد بمقدار ما كان يعتقد كثر في الوقت الذي غضت الادارة الاميركية النظر عن ممارسات مربكة لمرسي وقد اربكها ملايين المصريين الذي نزلوا الى الشارع رفضاً لحكم الاخوان.

وتقول هذه المصادر ان الارتباك الاميركي يعود الى عدم قدرة الادارة الاميركية على التخلي عن الجيش المصري والذي يعتبر مصلحة حيوية للولايات المتحدة في المنطقة في الوقت الذي يدرك جميع من يتعامل مع الولايات المتحدة والدول الغربية انها ستضطر جميعها في نهاية الامر الى الاقرار بالامر الواقع والرضوخ له أياً تكن التحفظات او الاعتراضات التي تبديها. كما هي لا تستطيع التخلي عن رهانها على الاخوان في الوقت الذي تتناقض مصالح حلفائها الاقليميين في النظرة الى الوضع في مصر وسبل التعامل معه على غير ما هي حال هؤلاء بالنسبة الى الوضع السوري مثلا. فازاء موقف تلتقي عليه تركيا مع الدول العربية المؤثرة كلها تقريباً، ولا سيما منها دول مجلس التعاون الخليجي من الوضع في سوريا لجهة دعم المعارضة في وجه النظام السوري ورئيسه بشار الاسد، فان هذه المواقف تبدو على نقيض الوضع المصري بين تركيا وقطر من جهة والمملكة السعودية من جهة اخرى، مما لا يسهل الامور، بل يجعلها اكثر تعقيداً.
الا ان الاسئلة التي تبدو مهمة بالنسبة الى هذه المصادر جنباً الى جنب مع خطورة الوضع المصري والتأثيرات عليه، هي تلك التي تتصل بمدى تأثر الاستراتيجية او قل السياسة الاميركية، باعتبار ان كثراً ينفون على الولايات المتحدة وجود استراتيجية واضحة في الشرق الاوسط في عهد الرئيس باراك اوباما، بما يجري في مصر واحتمال انعكاس ذلك على الوضع السوري نظراً الى ان سقوط حكم الاخوان اسقط استراتيجية اميركية كان يعمل عليها منذ اعوام. يضاف الى ذلك ان الامر تم اقناع اسرائيل به على اساس انه البديل المحتمل الذي يمكن الرهان للعمل معه ولا خوف كبيراً من وصوله الى السلطة. فمع الأخذ في الاعتبار ان النظام السوري اعتبر ان اطاحة مرسي هو انهاء للاسلام السياسي وان هذا الامر يصب في مصلحته، فهل ان واشنطن ستضطر الى اعادة النظر في رهانها على المعارضة السورية وعلى دعمها خصوصاً في ظل كلام على خلافات بين رئيس الائتلاف احمد الجربا وواشنطن على خلفية الرغبة الاميركية في عقد جنيف 2 لاحراج النظام ورفض الجربا ذلك في انتظار تحقيق تقدم ميداني على الارض، بالاضافة الى تذمر واشنطن من تشظي المعارضة السورية معارضات وحصول انشقاقات تستمر في منع الرهان عليها ام ان الوضع في شأن سوريا سيكون مختلفاً عن مصر. فوصول الاخوان الى الحكم في مصر كان مفيداً وفق ما يعتقد كثر كونه اظهر فشلهم في ادارة السلطة وان ورثوها ديموقراطياً واجهض الرهانات على ان في وصولهم الى السلطة يكمن الانقاذ، وتالياً تم دحض كل الاوهام وكل المطالبات المستقبلية في هذا الاطار. اما مع الوضع في سوريا فان التساؤل مربك لجهة سقوط خيار الاسلام المعتدل وعدم امكان الاسد السيطرة مجدداً اياً تكن قدراته ورفض المجتمع الدولي السماح له بالحكم نظرا للعدد الهائل من الضحايا السوريين الذين يتحمل مسؤوليتهم، اضافة الى واقع ان الخيارات في القيادة العسكرية السورية لا تبدو متاحة، كما هي الحال بالنسبة الى مصر ولا ايضا في الجيش السوري المنخرط في المواجهات ضد الشعب في سوريا.