حكومة «توافق الضرورة» هل تكون بداية التغيير..؟

صلاح سلام (اللواء)

… وأخيراً تنفّس اللبنانيون الصعداء، مع صدور مراسيم تشكيل الحكومة السلامية، بعد عشرة أشهر وعشرة أيام من معاناة حبس الأنفاس، ومناورات الشروط والعقبات الكأداء، التي حالت دون الولادة الحكومية، طوال الفترة الماضية.

لن ينفع التطلّع إلى الخلف، والخوض في أسباب ومسببات بقاء البلد بلا حكومة عشرة أشهر ونيّف، طالما أن المرحلة أصبحت وراءنا، بكل ملابساتها وتفاصيلها، والحكومة الجديدة تحوّلت إلى خشبة خلاص للأكثرية الساحقة من اللبنانيين، من مخاطر الفراغ السياسي والدستوري، وما قد تجرّه على البلاد والعباد من تداعيات مدمّرة، على إيقاع التسيّب الأمني، وانتشار عمليات السيّارات المفخخة، والتفجيرات الانتحارية.

موجة الارتياح العامة التي عبّر عنها اللبنانيون، في الداخل كما في الخارج، شكلت فرصة احتضان شعبية للتشكيلة الحكومية، التي تم التوصل إليها نتيجة مجموعة من التسويات، فرضت تنازلات متلاحقة من فريقي 14 و8 آذار، تحت ضغط ما يمكن تسميته «توافق الضرورة»، لإنقاذ البلد من الانهيار، سياسياً وأمنياً واقتصادياً، بسبب تلاشي هيبة الدولة، وتراجع قدرة المؤسسات العامة على ضبط الأمور المتفاقمة، والسيطرة على الوضع العام في البلاد.

ويمكن القول أيضاً في هذا السياق، أن القوى السياسية المعنية أنقذت قياداتها من مسؤولية حصول الانهيار الكبير، في حال استمر الدوران في الحلقة المُفرغة، من الشروط والشروط المضادة، ووصلت الجمهورية إلى الفراغ القاتل في رئاسة الجمهورية، في حال بقيت الخلافات التي حالت دون تشكيل الحكومة الجديدة على حالها!
* * *
… أيضاً لا ضرورة لفتح أحاديث الربح والخسارة في حكومة «توافق الضرورة»، على اعتبار أن هذا التوافق الذي فرضته على الجميع لحظة الخطر المحدق بالبلاد والعباد، ما زال في بداياته، ويمكن توصيفه بـ «توافق الحد الأدنى»، لأن التسويات التي أنتجت الولادة الحكومية لم تتطرّق إلى الملفات الخلافية المعقدة، والتي ستُحال إلى طاولة الحوار مرّة أخرى، وبالكاد استطاعت الاتصالات التي سبقت الاتفاق على التشكيلة الراهنة، أن تلامس بعض خطوط البيان الوزاري، وخاصة ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة بحثاً عن صيغة جديدة تُولد من رحم إعلان بعبدا، ووثيقة بكركي الأخيرة.

ولعل أهم ما يمكن الرهان عليه، بعد إعلان الحكومة الجديدة، هو العمل الجدّي على تنفيس الاحتقان في الشارع، والالتزام بتهدئة السجالات السياسية التي تزيد الأجواء توتراً، والانصراف إلى مواجهة الاستحقاقات الداهمة، سواء على مستوى الاستحقاقات الدستورية عشية انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، أم على مستوى القطاعات الاقتصادية، والأزمات المعيشية الخانقة، التي تلفّ حبالها على أعناق اللبنانيين، بسبب حالة الركود والكساد في الأسواق التجارية والمؤسسات السياحية.

كلمة الرئيس تمام سلام في قصر بعبدا، التي أعقبت صدور مراسيم الحكومة، رسمت خطوطاً عريضة للمهمات والمسؤوليات الملقاة على «حكومة المصلحة الوطنية».

كما أوحت بمستوى الجدّية المنتظرة في أداء الحكومة والوزراء، وفي فترة زمنية قياسية، حبلى بالأحداث والتطورات من جهة، وتتزاحم فيها الاستحقاقات الدستورية والاجتماعية، من جهة ثانية، وتتشابك على دروبها العوامل الداخلية والخارجية، على خلفية تطورات الحرب في سوريا، والانقسام العامودي بين اللبنانيين حولها، فضلاً عن التداعيات المتزايدة لمشاركة «حزب الله» في القتال بسوريا.

كما أن ما أسفرت عنه الولادة الحكومية، من التواصل والتشاور بين تياري المستقبل والوطني الحر، وفتح صفحة جديدة في العلاقات الشخصية بين قيادتي التيارين، وخاصة بين الرئيس سعد الحريري والعماد ميشال عون، يؤشر إلى احتمال حدوث تغيّرات ملحوظة في الخريطة السياسية، وفي المناخ السياسي المحلي، يدعم خيارات الحوار والاعتدال بين الأطراف السياسية، ويُخفّف من منسوب الاحتقان المذهبي، الذي هيمَنَ على الحركة السياسية في الفترة الأخيرة.

وفي هذا الإطار بالذات، لا يُخفي كل من الرئيس الحريري والعماد عون ارتياحهما لعودة النشاط إلى قنوات التواصل بينهما، بعد قطيعة امتدت على مدار السنوات الثلاث الماضية، ولا سيما أن الاتصالات المباشرة بينهما، ساعدت على تذليل عقبات ربع الساعة الأخير من الولادة الحكومية، بما في ذلك إيجاد الصيغة المقبولة للواء أشرف ريفي في التشكيلة الوزارية، وإسناد حقيبة الداخلية للنائب نهاد المشنوق.

وإذا كان من المُبكر التكهن بإمكانية تطوّر العلاقة بين الحريري وعون، إلا أن كسر الجليد بين التيارين، وما يُمثلان على الخريطة السياسية، يعتبر خطوة مهمة، يمكن توظيفها في مسيرة تعزيز الاستقرار في البلد، دون أن يعني ذلك أن الحريري سيُفرّط بتحالفه مع الدكتور سمير جعجع، أو أن العماد عون هو بوارد التخلي عن التفاهم مع «حزب الله»!

المهم أن حكومة «توافق الضرورة» فتحت ثغرة مهمة في الحائط السميك، وأعادت نبض الأمل والتفاؤل إلى شرايين اللبنانيين!

اقرأ أيضاً بقلم صلاح سلام (اللواء)

بين مبادرة الحريري والتزام نصر الله

مبادرة معراب.. نحو المراوحة القاتلة!

من انتخابات الرئاسة إلى مشروع التحالف ما هي بدائل أهل التعطيل..؟

تعثّرت في الداخل.. بسبب الانتكاسة في الخارج!

بالأمس «الفوضى».. واليوم «الانتحار»..؟

التيار العوني.. ومهاوي الفوضى القاتلة!

الأسير.. نهاية ظاهرة أم بداية جديدة؟

أنا.. أو لا جمهورية.. ولا لبنان!

مِن حَرْق الدوابشة إلى إعلان القاهرة هل يفيق العرب من سُباتهم..؟

المفارقة بين الاعتدال والانتحار!

لماذا التفجير المدمِّر للبشر والحجر..؟

عيد التحرير يفقد بهجته..

المصداقية الأميركية على محك القمة الخليجية

القبضة السعودية بمواجهة الجُموح الإيراني: كفى.. كفى.. كفى..!

ماذا بعد العجز السياسي المُتمادي..؟

التوافق لا يعني الإجماع.. ولا يتطلّب التصويت

جرأة الانتقاد.. وشجاعة الحوار!

المنطقة في زمن داعش: واقع ومفاوضات وصفقات!

المصريون عائدون…

الرئاسة: هل يبقى الوقود خارجياً.. والطباخون أجانب..؟