هل تكون إيران شريكة الاستقرار مع العرب..؟

صلاح سلام (اللواء)

لم يعد إهتمام اللبنانيين محصوراً بالمواقف السياسية التي يُطلقها الأفرقاء المحليين، والتي تزيد أجواء الخلافات والانقسامات تشنجاً، بل أصبحت الأنظار مشدودة ليس الى «جنيف» السوري وحسب، بل الى «جنيف» الإيراني، على اعتبار أنه ميزان الاختبار لتسلسل خطوات «الصفقة الكبرى» بين واشنطن وموسكو من جهة، ولأنه في نفس الوقت هو ميدان فحص جدّية الالتزامات الإيرانية تجاه الدول الغربية الكبرى، من جهة ثانية.
ولم يعد سرّاً، أن السياسة الإيرانية، الداخلية والخارجية على السواء، موضوعة حالياً تحت المجهر الدولي، لمتابعة حركة التطورات المرتقبة في أداء نظام الملالي، تجاه الانفتاح على المجتمع الدولي، وانتهاج سياسات أكثر نضوجاً، وأكثر اعتدالاً تجاه دول الجوار في الإقليم، تمهيداً لعودة «إيران الإسلامية» الى الشرعية الدولية بعد خصام اندلع منذ الأشهر الأولى لانتصار الثورة الخمينية، وسقوط نظام الشاهنشاهية.
ردود الفعل الفورية التي أحدثتها صدمة الاتفاق الأميركي – الغربي مع طهران هدأت،، وأفسحت المجال لمتابعة أكثر دقة، وأكثر عمقاً، لمعرفة حقيقة ما يجري في إيران، والذي يختلف في تقييمه حلفاء وأصدقاء، جمعتهم وحدة الموقف من ملفات إقليمية ودولية عديدة، في مقدمتها ملف الشغب الإيراني في دول المنطقة، وسياسة التحريض وإشعال الحرائق المذهبية والسياسية في الإقليم.
* * *
منذ الإعلان عن اتفاق جنيف «التاريخي»، وكل شاردة وواردة تجري في طهران أصبحت في دائرة الرصد الدولي، على اعتبار أن مرحلة الاختبار لجدّية الالتزامات الإيرانية تحدّدت بفترة تتراوح بين ثلاثة وستة أشهر، يُفترض في نهايتها، أن تكون الدول الغربية قد تأكّدت من نيّة إيران الجدّية في فتح صفحة جديدة، فضلاً عن التأكّد أيضاً من قدرة حكومة الرئيس حسن روحاني على تنفيذ هذه الالتزامات، التي تصل الى حد تجميد البرنامج النووي، على اعتبار أن تخفيض التخصيب الى مستوى 3.5 بالمئة فقط بالكاد يلبّي حاجات الأهداف السلمية لاستخدام الطاقة النووية.
نجاح طهران في إثبات قدرتها على تنفيذ تعهداتها، وعدم الاختباء ببعض مواقع المعارضة الداخلية من قِبَل الأطراف المحافظة، لا سيّما الحرس الثوري، من شأنه أن يفتح أبواب المنطقة على دفعة مهمّة من التسويات والحلول، لأزمات طال انتظار إيصالها الى النهايات المناسبة، بسبب تعقيدات التدخلات الإيرانية فيها.
{{ الدور الإيراني في الحرب السورية، ودور طهران في دعم النظام، وتوفير مقوّمات الصمود له، مالياً وعسكرياً، سياسياً ولوجستياً، ليس خافياً على أحد، وبالتالي فإن سياسة الانفتاح والتعاون التي تُكثر الديبلوماسية الإيرانية التحدّث عنها هذه الأيام، من شأنها أن تساعد على ترجيح كفّة الحل السياسي في سوريا، وقد يكون مؤتمر «مونترو»، محطة اختبار مهمّة في هذا الاتجاه.
{{ وإخماد نيران المتفجرات اليومية في العراق، يحتاج الى سياسة إيرانية أكثر تعقلاً، وأكثر توازناً في بلاد الرافدين، خاصة وأن البلاد تستعد لخوض غمار انتخابات نيابية جديدة في أيار المقبل، تطوي صفحة التفرّد والاستئثار التي أمعنت في ممارساتها حكومة نوري المالكي.
{{ وإخراج لبنان من دوامة فراغ المؤسسات الدستورية، والتي قد تصل الى ذروتها في حال حصول فراغ في الرئاسة الأولى، وعدم التمكّن من التمديد، أو انتخاب بديل للرئيس ميشال سليمان، الى جانب أهمية الإفراج عن تشكيل الحكومة العتيدة، والتي ما زالت شروط حزب الله وحلفائه، تحول دون ولادتها، بعد ثمانية أشهر ونيّف على تكليف الرئيس تمام سلام، يحتاج أيضاً الى مراجعة للدور الإيراني!
{{ وكذلك الحال بالنسبة للمواجهات الدامية المتكررة في البحرين، والهجمات التي يشنّها الحوثيون ضد الجيش والقبائل المؤيدة له في اليمن، والعمل على تخفيض مستوى التوتر مع دول الجوار في مجلس التعاون الخليجي، وخاصة مع المملكة السعودية، الى ما يتردّد عن مفاوضات أميركية مع الجانب الإيراني للتعاون الأمني في أفغانستان، بعد انسحاب القوات الأميركية والأطلسية من هناك خلال العام المقبل!
* * *
صحيح أن الديبلوماسية الأميركية اعترفت لإيران بدور «إقليمي ما» في المنطقة، يترتّب عليه، بشكل أو بآخر، ظهور مناطق نفوذ بألوان إيرانية،
ولكن الصحيح أيضاً، أن مثل ذلك الدور لا يكتسب شرعيته وأهميته، إلا من خلال العمل مع الشركاء الإقليميين، لاستعادة الاستقرار، وتعزيز الأمن والسلام في المنطقة، والانطلاق في عملية شراكة مدروسة لتعويض بلدان المنطقة ما فاتهم من إنماء وازدهار، بسبب حروب وصراعات العقود الماضية، والتي كانت طهران أحد الأطراف الأساسيين فيها، بشكل مباشر حيناً، كما في الحرب مع العراق، أو غير مباشر، من خلال دعم أحزاب وحركات مناهضة للأنظمة القائمة، على غرار حزب الله في لبنان والمجلس الإسلامي في العراق، وتيارات المعارضة في البحرين، والحوثيين في اليمن.. الى آخر السلسلة!
أما في حال استمرار الازدواجية في السياسة الإيرانية: التهدئة مع واشنطن والغرب، والمواجهة مع الرياض ودول الإقليم، فهذا يعني تضييع فرص أخرى لطي صفحة الحروب والمنازعات الطائفية والمذهبية في المنطقة، والإبقاء على أبواب جهنم مفتوحة لتأكل نيرانها الأخضر واليابس، بدءاً من الدول العربية وصولاً الى الداخل الإيراني!
فهل تختار طهران أن تكون شريكة الاستقرار مع العرب؟

اقرأ أيضاً بقلم صلاح سلام (اللواء)

بين مبادرة الحريري والتزام نصر الله

مبادرة معراب.. نحو المراوحة القاتلة!

من انتخابات الرئاسة إلى مشروع التحالف ما هي بدائل أهل التعطيل..؟

تعثّرت في الداخل.. بسبب الانتكاسة في الخارج!

بالأمس «الفوضى».. واليوم «الانتحار»..؟

التيار العوني.. ومهاوي الفوضى القاتلة!

الأسير.. نهاية ظاهرة أم بداية جديدة؟

أنا.. أو لا جمهورية.. ولا لبنان!

مِن حَرْق الدوابشة إلى إعلان القاهرة هل يفيق العرب من سُباتهم..؟

المفارقة بين الاعتدال والانتحار!

لماذا التفجير المدمِّر للبشر والحجر..؟

عيد التحرير يفقد بهجته..

المصداقية الأميركية على محك القمة الخليجية

القبضة السعودية بمواجهة الجُموح الإيراني: كفى.. كفى.. كفى..!

ماذا بعد العجز السياسي المُتمادي..؟

التوافق لا يعني الإجماع.. ولا يتطلّب التصويت

جرأة الانتقاد.. وشجاعة الحوار!

المنطقة في زمن داعش: واقع ومفاوضات وصفقات!

المصريون عائدون…

الرئاسة: هل يبقى الوقود خارجياً.. والطباخون أجانب..؟