اتفاق جنيف: نصف نجاح على حساب العرب..؟

صلاح سلام (اللواء)

الاتفاق بين الدول الكبرى وإيران، الذي تمّ التوصّل إليه في ليل نهاية الأسبوع، يتجاوز بمفاعيله وأبعاده الملف النووي الإيراني، وقد يُشكّل الخطوة الأولى، والمدماك الأوّل، في «الصفقة الكبرى»، التي كثر الحديث عنها مؤخراً، بين واشنطن وموسكو!

الدب الروسي لم يكن بعيداً عن طاولة المفاوضات بين طهران والعواصم الست الأخرى، بل لعل الاقتراح الروسي الذي بعث به زعيم الكرملين إلى المتفاوضين، والقاضي بترك خمسة بالمائة تخصيب للجانب الإيراني، ولو من باب الحفاظ على ماء الوجه للحكومة الإيرانية، ودعم سياسة الاعتدال والإصلاح التي ينتهجها الرئيس حسن روحاني.

الفيل الأميركي لاقى زميله الروسي اللدود، في منتصف الطريق، واعتبر الوزير كيري أن عدم الاتفاق مع طهران بالصيغة الأخيرة المطروحة، من شأنه أن يؤدي إلى مضاعفات خطيرة على الصعيد الايراني: إما انصراف النظام الإيراني إلى مواقع أكثر تشدداً، وبالتالي نسف كل ما تحقق من تقدّم في جولتي المفاوضات الأخيرتين، وإما سقوط إيران من الداخل، تحت ضغط العقوبات الدولية، والأزمات الاقتصادية والمعيشية التي سببتها للمجتمع الايراني!

وفي كلتا الحالتين، يقول كيري، نكون قد عرّضنا منطقة الخليج خاصة، والشرق الأوسط عامة، لمناخات من عدم الاستقرار!
* * *
لم تعد التحليلات والتفسيرات تنفع في تبرير إبرام هذا الاتفاق، الذي احتفظت فيه إيران بحقها الاستمرار في التخصيب بنسبة 5٪ فقط ، والتخلي عن التخصيب العالي (20٪ وما فوق)، إلى جانب الموافقة على وضع المنشآت النووية الإيرانية تحت رقابة دولية، قد لا تقتصر على مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية وحدهم.
الواقع أن هذا الاتفاق يشكّل نصف نجاح للدبلوماسية الإيرانية الجديدة، والنصف الآخر يُحسب للفريق المفاوض الدولي، على اعتبار أن كلا الطرفين قدّما تنازلات متلازمة، وبعضها متزامن في التنفيذ، بهدف تحقيق هذا الاختراق في جدار الملف النووي الإيراني، وذلك بعد عشر سنوات من المفاوضات العقيمة، والمناورات البارعة من الجانب الإيراني!
النصف الثاني من نجاح هذا الاتفاق، يتوقف على مدى الالتزام بروزنامة التنفيذ، والخطوات التي سيُقدم عليها كل طرف، لإثبات جدّيته، وتأكيد مصداقيته، ولا سيما من الجانب الإيراني، الذي يتسلح ببعض الأصوات المعارضة، للمطالبة بتخفيف الضغوطات عليه، وترك مساحة أمامه لاستيعاب «المعارضة الداخلية»!
* * *
ولكن السؤال الذي يطرحه الجانب العربي على الضفة الأخرى من الخليج: هل اتفاق النووي الإيراني وحده، كافٍ لإنهاء مشاكل المنطقة؟
وثمة، في بلاد الشام، من يطرح تساؤلات أكثر خبثاً:
{{ هل توقيع المفاوض الإيراني على اتفاق جنيف يعني عودة دولة إيران إلى الشرعية الدولية، وطي صفحة التمرد على الاتفاقات والأنظمة الدولية؟
{{ هل يقترن الاتفاق النووي على بنود أخرى لها علاقة بملفات وقضايا تقلق أوضاع الشرق الأوسط ، وتبدو إيران من خلالها وكأنها عنصر إثارة للقلاقل، وضرب الاستقرار في الإقليم، بدءاً من اليمن والبحرين، وصولاً إلى العراق وسوريا ولبنان؟
{{ وهل ستتخذ طهران من الاتفاق مع الدول الكبرى، منصة جديدة للمضي في سياسة الهيمنة وتعزيز النفوذ، على مقدرات المنطقة، بعدما تمّ الاعتراف بـ «شرعية» دورها كلاعب إقليمي، ومحور جذب في سياسات الإقليم؟

قد يكون من المبكر الوصول إلى الإجابات الواضحة لمثل هذه التساؤلات، التي تشغل صُنّاع القرار في أكثر من دولة عربية.

ولكن الأكيد أن الدولة العبرية تبقى في طليعة المستفيدين من الاتفاق الدولي مع إيران، لأنها حصلت على مبتغاها بمنع إيران من الحصول على السلاح النووي، وهذا ما ستقوم به فرق التفتيش الدولية.

فتكون تل أبيب قد حققت مكسبين استراتيجيين خلال بضعة أشهر فقط :

– الأوّل في سوريا، من خلال موافقة دمشق على التخلص من الأسلحة الكيميائية، التي كانت تسبب بعض القلق للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية.

– الثاني في إيران، بعدما تخلت طهران عن خطط «التخصيب العالي» المستخدم في إنتاج السلاح النووي، واكتفت بالمحافظة على الأهداف المدنية لبرنامجها النووي، ولو لفترة زمنية معينة!

أما مكاسب الجانب العربي من اتفاق جنيف فلم تظهر بعد في أفق ما يُخطط للمنطقة، والذي قد يكون على حساب العرب.. وليس من أجلهم، ولا لمصلحتهم!!

اقرأ أيضاً بقلم صلاح سلام (اللواء)

بين مبادرة الحريري والتزام نصر الله

مبادرة معراب.. نحو المراوحة القاتلة!

من انتخابات الرئاسة إلى مشروع التحالف ما هي بدائل أهل التعطيل..؟

تعثّرت في الداخل.. بسبب الانتكاسة في الخارج!

بالأمس «الفوضى».. واليوم «الانتحار»..؟

التيار العوني.. ومهاوي الفوضى القاتلة!

الأسير.. نهاية ظاهرة أم بداية جديدة؟

أنا.. أو لا جمهورية.. ولا لبنان!

مِن حَرْق الدوابشة إلى إعلان القاهرة هل يفيق العرب من سُباتهم..؟

المفارقة بين الاعتدال والانتحار!

لماذا التفجير المدمِّر للبشر والحجر..؟

عيد التحرير يفقد بهجته..

المصداقية الأميركية على محك القمة الخليجية

القبضة السعودية بمواجهة الجُموح الإيراني: كفى.. كفى.. كفى..!

ماذا بعد العجز السياسي المُتمادي..؟

التوافق لا يعني الإجماع.. ولا يتطلّب التصويت

جرأة الانتقاد.. وشجاعة الحوار!

المنطقة في زمن داعش: واقع ومفاوضات وصفقات!

المصريون عائدون…

الرئاسة: هل يبقى الوقود خارجياً.. والطباخون أجانب..؟