حكومة ليس بالإمكان.. لتجنّب الإنهيار!

صلاح سلام (اللواء)

من حق اللبنانيين أن يتساءلوا، والحسرة تنهش نفوسهم: ألا لهذا الليل السياسي المظلم من نهاية؟
إلى متى هذا الاستهتار المتمادي بمصالح العباد واستقرار البلاد؟
متى تنتهي سياسة الكيدية والنكايات التي عطّلت البلد، وشلت المؤسسات الدستورية، وأقفلت مجلس النواب؟
ولماذا كل هذه التعقيدات، ومسلسل الشروط والشروط المضادة، التي حالت، حتى الآن، دون ولادة الحكومة العتيدة؟
ومَن يتحمّل مسؤولية هذا التفلت الأمني الذي يقضّ مضاجع العاصمة الثانية الفيحاء، ويحصد المزيد من القتلى والضحايا الأبرياء؟
الواقع أن كيل الصبر طفح عند أكثرية هذا الشعب الطيب، الذي تحمّل، وما زال يتحمّل الكثير، بسبب الصراعات السياسية الداخلية حيناً، ونتيجة التدخلات والضغوطات الخارجية، أحياناً كثيرة!
لا يُعقل أن تتهافت الطبقة السياسية على تأجيل الانتخابات، والتمديد للمجلس الحالي، ثم تعمد إلى تعطيل الجلسات التشريعية، وتجميد دور النواب في المتابعة والمساءلة والتشريع!
لا نفهم كيف يُجمِع 124 نائباً على ترشيح اسم واحد لتأليف الحكومة، ثم يتسابق كل منهم إلى عرقلة مهمة الرئيس المكلف، بوضع تلال من الشروط التعجيزية أمامه!
لم نعد نستوعب الكلام الذي نسمعه صباحا ومساء، عن الحرص على الدستور، والحفاظ على الجمهورية، وتعزيز دور الدولة وسلطتها الشرعية، فيما ممارسات أصحاب هذه الشعارات، تُهدّد بهدم هياكل الدولة، والإطاحة بأبسط الممارسات الدستورية، وأصبحت تشكّل خطراً على وحدة الجمهورية، وتماسك نسيجها الوطني والاجتماعي!
* * * *
لا ندري كيف يسمح أهل السياسة لأنفسهم بأن يغرقوا بلعبة الفراغ القاتل لمقومات الدولة، ويذهبوا بعيداً على مدى الأشهر السبعة الأخيرة، في عرقلة تشكيل الحكومة الجديدة، فيما البلاد تواجه تحديات وأزمات تكبر يوماً بعد يوم، على إيقاع الحرب الدائرة في سوريا، والتي لم تنأَ تداعياتها عن الداخل اللبناني، فضلاً عن استمرار موجات النازحين نحو المناطق اللبنانية، والذين قارب تعدادهم نصف عدد اللبنانيين المقيمين تقريباً.
لقد أصبح واضحاً، أن كل فريق يريد الحكومة على قياسه، ووفق شروطه، وبما يحقق مطالبه، ويحفظ مصالحه!
الحكومة الحيادية لم تقلّع عند 8 آذار، لأن أطراف هذا الفريق يشترطون المشاركة المباشرة في الوزارة العتيدة، وبالتالي يتمسكون بتشكيل حكومة سياسية.
حكومة الثلاث ثمانات، التي سعى إليها الرئيس المكلف بتشجيع من رئيس الجمهورية، لم تبصر النور أيضاً، لأن فريق 8 آذار، وخاصة «حزب الله»، يصرّ على الحصول على الثلث المعطل، تحت شعار «تحقيق المشاركة الحقيقية في القرار».
الصيغة الجنبلاطية القائمة على تركيبة 9+9+6 ما زالت في عالم الغيب، بسبب رفض فريق 14 آذار إعطاء الثلث المعطل لغريمه في 8 آذار، ولا سيما «حزب الله»، وتكرار «الانقلاب» الذي حصل على الرئيس سعد الحريري عشية لقائه مع الرئيس باراك أوباما، حيث استقال وزراء 8 آذار وطيّروا الحكومة الحريرية!
وطبعاً يمكن إضافة بعض حواشي التدخلات والضغوطات الخارجية، خاصة السورية، حتى تكتمل أمامنا أبعاد هذا المشهد السياسي الدراماتيكي!
* * *
وما يدعو للاستغراب حقاً، أن الاخطار المحدقة بالبلد من كل حدب وصوب، لم تثنِ أهل السياسة عن الاستمرار في لعبة الفراغ القاتل: الوضع الأمني إلى مزيد من التأزم شمالاً وبقاعاً. الحركة الاقتصادية تتراجع وتتردّى يوماً بعد يوم بسرعة مخيفة. النيران السورية تمدّ لهبها باتجاه أكثر من منطقة لبنانية. الحصار المالي غير المعلن، عربياً ودولياً، ينتظر تشكيل الحكومة الجديدة لإعادة تنشيط قنوات المساعدة والدعم.
وإلى جانب كل ذلك، ولعل قبل كل ذلك، الاستحقاق الرئاسي على الأبواب، والشلل يُهدّد رأس السلطة في الدولة العلية!
وإزاء هذا الواقع البائس، لم يعد الحديث عن حكومة جديدة تصدر مراسيمها، وتكتفي بتصريف الأعمال في حال عدم نيلها الثقة، يشفي الغليل، ولا يُشكّل المخرج المناسب من المأزق المتفاقم.
التحديات الأمنية والاقتصادية، والتطورات الإقليمية الأخيرة، والتي تحمل في ثناياها ملامح تسوية كبرى في المنطقة، كل هذه المعطيات تفرض وجود حكومة سياسية قادرة على الإمساك بالوضع الداخلي المتوتر، وإيجاد الحلول السريعة للوضع الاقتصادي المتعثر إلى حدود التأزم، والعمل على مواكبة الاستحقاقات الدستورية، من قانون للانتخابات النيابية، إلى الانتخابات الرئاسية، في حال تعذر التمديد لرئيس الجمهورية.
لم تعد سياسة العناد وعض الأصابع بين فريقي 8 و14 آذار، تنفع في وضع النهاية المطلوبة للعبة الأرقام في الوزارة العتيدة. ولم يستطع أي طرف فرض شروطه على الطرف الآخر، طالما بقيت قواعد اللعبة أسيرة المعادلات الداخلية والخارجية الراهنة.
ويصبح من المنطقي، والحالة هذه، تغليب مصالح البلاد والعباد على أية اعتبارات أخرى، والذهاب إلى تشكيل حكومة متوازنة، تستطيع العبور إلى مرحلة الاستحقاق الرئاسي، والتعامل مع أية مفاجأة تؤدي إلى حصول فراغ في سدة رئاسة الجمهورية!
«حكومة ليس بالإمكان أفضل مما كان»، كان هذا شعار معظم رؤساء حكومات لبنان في مختلف المراحل الصعبة. فكيف ونحن في خضم أزمة يتشابك فيها الداخلي مع الخارجي، والإقليمي مع الدولي، وتعرّض الإقليم كلّه لزلزال هو الأعنف منذ عقود طويلة من الزمن؟
لفريق 14 آذار مصلحة قوية في تظهير الحكومة الجديدة، لأنه سيعود شريكاً فاعلاً في إدارة السلطة التنفيذية، التي غادرها مكرهاً بعد الانقلاب على الحريري ومقاطعة المشاركة في الحكومة الميقاتية.
ولفريق 8 آذار مصالح عديدة في ولادة الحكومة العتيدة التي ستؤمّن له المشاركة في القرار، وتساهم في تحسين صورة هذا الفريق، خاصة «حزب الله»، في الخارج، فضلاً عن أن وجود ممثلي الحزب في الوزارة، يشكل نوعاً من الحماية الوطنية في زمن الترويج للوائح الإرهابية في أوروبا وأميركا!

اقرأ أيضاً بقلم صلاح سلام (اللواء)

بين مبادرة الحريري والتزام نصر الله

مبادرة معراب.. نحو المراوحة القاتلة!

من انتخابات الرئاسة إلى مشروع التحالف ما هي بدائل أهل التعطيل..؟

تعثّرت في الداخل.. بسبب الانتكاسة في الخارج!

بالأمس «الفوضى».. واليوم «الانتحار»..؟

التيار العوني.. ومهاوي الفوضى القاتلة!

الأسير.. نهاية ظاهرة أم بداية جديدة؟

أنا.. أو لا جمهورية.. ولا لبنان!

مِن حَرْق الدوابشة إلى إعلان القاهرة هل يفيق العرب من سُباتهم..؟

المفارقة بين الاعتدال والانتحار!

لماذا التفجير المدمِّر للبشر والحجر..؟

عيد التحرير يفقد بهجته..

المصداقية الأميركية على محك القمة الخليجية

القبضة السعودية بمواجهة الجُموح الإيراني: كفى.. كفى.. كفى..!

ماذا بعد العجز السياسي المُتمادي..؟

التوافق لا يعني الإجماع.. ولا يتطلّب التصويت

جرأة الانتقاد.. وشجاعة الحوار!

المنطقة في زمن داعش: واقع ومفاوضات وصفقات!

المصريون عائدون…

الرئاسة: هل يبقى الوقود خارجياً.. والطباخون أجانب..؟