الفيتو السعودي ضد مجلس الأمن ليس صرخة في وادٍ..

صلاح سلام (اللواء)

اعتذار المملكة العربية السعودية عن قبول عضوية مجلس الأمن الدولي، شكّل صدمة قوية، تجاوزت أصداؤها المبنى الأممي العملاق في نيويورك، إلى مراكز صنع القرار في العواصم العالمية.
أهمية القرار السعودي لا تكمن في جرأته وحسب، بل وأيضاً بكونه خطوة غير مسبوقة في تاريخ المنظمة الدولية، التي أنشئت عام 1945، إثر انتهاء الحرب العالمية الثانية، فضلاً عن انه يُعبّر عن توجه سعودي حاسم في أسلوب التعامل مع مجلس الأمن الدولي، بسبب الإهمال المتعمّد والمتمادي من الدول دائمة العضوية للقضايا العربية المطروحة أمام المجلس منذ عقود من الزمن، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، إلى جانب التهرّب المستمر من مواجهة تداعيات المجازر اليومية في الحرب السورية.
لقد صبر العرب طويلاً، وفي مقدمتهم السعوديون، على سياسة التحيّز المهيمنة على قرارات مجلس الأمن، وما أدّت إليه من اعتماد أسلوب الكيل بمكيالين في وقت واحد، محاباة لمصالح وارتباطات الدول الكبرى دائمة العضوية، وخاصة الولايات المتحدة الأميركية، وروسيا الاتحادية وريثة الاتحاد السوفياتي السابق.
وتحول حق استعمال «الفيتو» من تلك الدول، إلى «سلاح أبيض» لطعن فعالية أعلى هيئة دولية، مناطة بها مسؤولية الحفاظ على السلم والأمن العالميين، وصيانة العلاقات الدولية من الانهيار، على النحو الذي أدى إلى نشوب حربين عالميتين في النصف الأوّل من القرن الماضي.
وسجلات اجتماعات مجلس الأمن تشهد على أن أميركا من أكثر الدول التي استخدمت «الفيتو»، وبنسبة خمسين بالمئة من «الفيتوات» معظمها ضد المواقف العربية، دفاعاً عن اعتداءات الدولة الصهيونية! في حين عمد الروس مؤخراً إلى استخدام «الفيتو» ثلاث مرات متتالية في السنتين الماضيتين، لتعطيل مشاريع القرارات المتعلقة بالأزمة السورية، وبخلاف ما كانت تطالب به المجموعة العربية في الأمم المتحدة.
* * *
وتحمّل العرب كثيراً أعباء فرض الأولويات في اجتماعات مجلس الأمن، من دون مراعاة لأولوية القضايا العربية المزمنة من جهة، مثل النزاع العربي – الإسرائيلي، إلى جانب تمييع الملفات العربية الساخنة والملحة، على نحو ما حصل مؤخراً في اختصار ملف الحرب في سوريا، بموضوع السلاح الكيميائي، من دون اتخاذ أية تدابير رادعة لضمان عدم استخدام النظام لهذا السلاح مرّة أخرى، ومن دون توفير الحد الأدنى من الضمانات للتوصل إلى حل سياسي في جنيف - 2، يُوقف حمامات الدم في سوريا.
أما استمرار الغطرسة الإسرائيلية في الإصرار على سياسة التوسع بزرع المستوطنات ونشر الاستيطان، حتى داخل المناطق المحسوبة للسلطة الفلسطينية، فتُقابل بصمت وتجاهل مريبين من الثنائي الأميركي والروسي في مجلس الأمن، وتذهب المطالبات العربية المتكررة بفرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية على الدولة العبرية أدراج الرياح والمصالح الدولية!
وتعاطي مجلس الأمن، ولا سيما الطرفين الأميركي والروسي، لم يكن أفضل حالاً أيضاً في الملف النووي الإيراني، الذي تحاول المفاوضات الغربية اختصاره بتخفيض مستوى التخصيب الإيراني إلى ما دون 20٪، لضمان عدم الوصول الإيراني إلى حيازة السلاح النووي، في حين تطالب السعودية، ومعها دول مجلس التعاون الخليجي وكل الدول العربية الأخرى، بإخلاء منطقة الشرق الأوسط من أي سلاح نووي، وتوقيع كل دول الإقليم على معاهدة حظر الأسلحة النووية، وإخضاع المشاريع النووية في بلدان المنطقة إلى رقابة وكالة الطاقة الذرية.
يضاف إلى كل ذلك، أن السعودية، ومعها الدول العربية الأخرى، لا ترى إشكالية العلاقات الراهنة مع إيران محصورة بالملف النووي الإيراني، ولعل الهواجس العربية تتجاوز هذا الملف الأساس، بالنسبة لأميركا وإسرائيل خاصة، إلى التدخلات الإيرانية الحاصلة في أكثر من دولة عربية، بدءاً من العراق وسوريا ولبنان، وصولاً إلى البحرين واليمن ودول خليجية أخرى، حيث تمّ اكتشاف أكثر من شبكة تعمل لحساب الإيرانيين.
الجانب العربي يُدرك جيداً أن إيران أضحت دولة إقليمية محورية، بعد التمدد الايراني الحاصل باتجاه دول عربية عديدة، إثر الغزو الأميركي للعراق، وحرب بوش الابن ضد طالبان في أفغانستان.
ولكن ثمة حرص عربي أن يلتزم الدور الإيراني في المنطقة، بتوازنات المعادلة الإقليمية، ويكون عامل استقرار في المنطقة العربية، لا مصدراً لتصدير الثورة، وتحريك الفتن والاضطرابات تحت شعارات تخدم النفوذ الإيراني أولاً وأخيراً.
ولم يعد خافياً أن غياب مثل هذه الضوابط لوضع إيران الإقليمي، عن أجندة الانفتاح الأميركي على طهران، قد أثار الكثير من مشاعر الحذر والريبة لدى الجانب العربي، الذي من حقه أن يخشى من «صفقة ما» بين واشنطن وطهران، على حساب المصالح العربية، والأمن القومي العربي، خاصة وأن تاريخ العلاقات بين الطرفين حافل بصفقات مشابهة، بدءاً من «إيران غيت» إبان الحرب الإيرانية – العراقية، وصولاً إلى تنصيب المالكي في رئاسة حكومة بغداد، وإطلاق يد إيران في العراق، في «صفقة فيلتمان»، مقابل تأمين سلامة الجنود الأميركيين المنسحبين من العراق.
* * *
«الفيتو» السعودي ضد عضوية مجلس الأمن ليس صرخة في وادٍ، ولا هو نتيجة فورة غضب عابرة، بقدر ما يُعبّر عن موقف عربي وإسلامي كبير، تشعر مجموعة الدول العربية والإسلامية التي تؤيده بالتهميش في تعاطي مجلس الأمن الدولي مع قضاياها العادلة.
والحقيقة أن الموقف السعودي الجريء أعاد فتح ملفات الإصلاحات المنسية لنظام منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وتنشيط مطالبة الدول النامية في آسيا وأميركا الجنوبية بحقوقها التمثيلية في المنظمة الدولية للمشاركة في القرارات التي تعني الأمن والسلم في العالم، فضلاً عن إعادة النظر بنظام «الدول الخمس دائمة العضوية» والتي تتمتع بحق الفيتو في مجلس الأمن، على اعتبار أن التطورات المتلاحقة على النظام العالمي منذ عام 1945 حتى اليوم، تفرض العمل على إنقاذ هذه المنظمة الدولية من براثن الهيمنة والإخضاع التي تدير بها الدول الكبرى قرار أعلى هيئة دولية!

اقرأ أيضاً بقلم صلاح سلام (اللواء)

بين مبادرة الحريري والتزام نصر الله

مبادرة معراب.. نحو المراوحة القاتلة!

من انتخابات الرئاسة إلى مشروع التحالف ما هي بدائل أهل التعطيل..؟

تعثّرت في الداخل.. بسبب الانتكاسة في الخارج!

بالأمس «الفوضى».. واليوم «الانتحار»..؟

التيار العوني.. ومهاوي الفوضى القاتلة!

الأسير.. نهاية ظاهرة أم بداية جديدة؟

أنا.. أو لا جمهورية.. ولا لبنان!

مِن حَرْق الدوابشة إلى إعلان القاهرة هل يفيق العرب من سُباتهم..؟

المفارقة بين الاعتدال والانتحار!

لماذا التفجير المدمِّر للبشر والحجر..؟

عيد التحرير يفقد بهجته..

المصداقية الأميركية على محك القمة الخليجية

القبضة السعودية بمواجهة الجُموح الإيراني: كفى.. كفى.. كفى..!

ماذا بعد العجز السياسي المُتمادي..؟

التوافق لا يعني الإجماع.. ولا يتطلّب التصويت

جرأة الانتقاد.. وشجاعة الحوار!

المنطقة في زمن داعش: واقع ومفاوضات وصفقات!

المصريون عائدون…

الرئاسة: هل يبقى الوقود خارجياً.. والطباخون أجانب..؟