سياسة روحاني على محك الاختبار الدولي..

صلاح سلام (اللواء)

تعيش المنطقة مناخات «التسوية الكبرى» المُرتقبة، في حال صدقت بوادر الانفراج التي يُشيعها الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني، وفي حال استمرت «الصفقة» بين الوزيرين جون كيري وسرغي لافروف، حول الحل السياسي في سوريا، انطلاقاً من نزع المخالب الكيماوية للنظام، وإعادة ضبط الوضع الميداني تحت سقف التوازنات الضاغطة على طرفي الصراع.
وكما شاحت غيمة الضربة العسكرية وجهها عن المنطقة بـ «غمضة عين»، ثمة من يتوقع أن تظهر مقدمات التسوية بأسرع مما يتخيّل كثيرون، حيث ينتقل معها الاقليم من الوضع المتفجر الحالي، إلى واقع أكثر هدوءاً، يفتح أبواب جنيف - 2، ويُغلّب لغة التفاوض السياسي على هدير الصواريخ والمدافع.
طبعاً، هذا لا يعني أن الحرب السورية ستتوقف بقدرة سحر ساحر، وقطعاً لا أحد يتوقع أن تنتهي مشاكل المنطقة، وصراعاتها المزمنة، بكبسة زر، فالملفات والمسائل المطروحة هي من التشابك والتعقيد ما يتطلب الكثير من الصبر والمثابرة على جولات التفاوض، التي قد تتعرض لانتكاسات وعرقلات بين الحين والآخر، ولكن ثمة محاولة عربية – إقليمية – دولية، لإخراج المنطقة من دائرة العنف، التي أنهكت اللاعبين الصغار، وأصبحت تُهدّد مصالح المتلاعبين الكبار!
* * *
ثمة مؤشرات تُشجّع الرهان على احتمال خروج لقاءات نيويورك، التي تبدأ الأسبوع المقبل، بنتائج أولية إيجابية، ولا سيما أن الرئيس روحاني سيكون نجمها اللامع، بعدما نجحت حملة العلاقات العامة والإعلام التي سبقته، في الترويج للتغيّرات الجذرية التي طرأت على التوجهات الإيرانية، سواء بالنسبة للملف النووي، أم على صعيد الملفات الإقليمية الساخنة، والتي تجلّت بتأييد ودعم مرشد الجمهورية الإمام الخامنئي لها، من خلال توسيع هامش حركة روحاني في مخاطبة الرئيس الأميركي وقادة غربيين آخرين، فضلاً عن التواصل مع الرأي العام الأميركي، من خلال المقالات الصحفية والمقابلات التلفزيونية.
البيت الأبيض الذي قابل الانفتاح الإيراني الجديد بحذر، أعلن صراحة أن خطوات روحاني غير كافية حتى الآن، على اعتبار أن واشنطن تطالب بترجمة المواقف والأقوال إلى أفعال وخطوات عملية على الأرض، وهنا بيت القصيد.
فهل تُضيّع طهران مرّة أخرى، فرصة الخروج من العقوبات والحصار الاقتصادي الخانق، والعودة إلى المجتمع الدولي، فضلاً عن تنقية الأجواء مع دول الجور في مجلس التعاون الخليجي؟
ليس من السهل التكهن بحقيقة الجواب الإيراني، على مثل هذه التساؤلات، قبل ظهور الخيط الأبيض من الخيط الأسود في دبلوماسية روحاني الناشطة. ولكن يبقى من المفيد التذكير بأهم مفاصل الانفتاح الإيراني الحالي:
1 – تأكيد الالتزام بعدم السعي إلى السلاح النووي، مع الاحتفاظ بحق الحصول على الطاقة النووية لأهداف سلمية. وهذا البند بالذات يحتاج إلى كثير من البحث والتمحيص في المفاوضات المقبلة مع المجتمع الدولي، للتأكد من مدى الالتزام الإيراني الجدّي بهذا التوجه الجديد.
2 – السعي لإنهاء القطيعة مع دول الجوار الخليجية، ولا سيما إعادة علاقات التعاون مع السعودية إلى طبيعتها بعد سنوات التوتر الأخيرة. ومثل هذا التوجه يقتضي طبعاً إعادة النظر بالسياسة الإيرانية وتدخلاتها في الشؤون الداخلية لأكثر من دولة في المنطقة. والعودة إلى صياغة سياسة صداقة وتعاون مع الحكومات الخليجية قائمة على الاحترام المتبادل لخصوصية الآخر.
3 – إعادة النظر بالموقف الإيراني الحالي من الأزمة السورية، والعمل بجدّية لتقديم الحل السياسي على الخيار العسكري، وذلك بعكس ما كان التوجه الإيراني عليه طوال الثلاثين شهراً من عمر الحرب السورية. ولم يكن مفاجئاً للدوائر المعنية أن يعلن روحاني استعداد إيران للتوسط بين النظام والمعارضة للانتقال إلى المفاوضات السياسية.
4 – وضع تقييم جديد للموقف الإيراني من الصراع العربي – الإسرائيلي عامة، ووجود الكيان الإسرائيلي. فبعد حملات الكراهية والتصعيد التي قادها نجاد ضد الحكومة الإسرائيلية، بادر «العهد الجديد» في طهران إلى تهنئة اليهود برأس السنة اليهودية، واعترف بالمحرقة النازية التي كان ينكرها عهد نجاد، وأظهر ميلاً إلى قبول المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية الجارية حالياً برعاية أميركية، مما يعني جنوح طهران نحو الحل السلمي للصراع العربي – الإسرائيلي، ومجاراة الموقف العربي الذي أجمع على مبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز للسلام، والتي أقرتها قمّة بيروت العربية.
* * *
الواقع أن كل بند من التوجهات المطروحة، يُشكّل امتحاناً، بل تحدياً لمصداقية السياسة الإيرانية الجديدة، والتي ستتعرّض لاختباراتها الأولى، الدبلوماسية والعملية، في اجتماعات نيويورك الأسبوع المقبل، واللقاءات التي سيجريها روحاني مع القادة الغربيين.
ولكن… ماذا بالنسبة للوضع اللبناني، في حال سلكت هذه التغييرات في السياسة الإيرانية طريقها إلى التنفيذ؟
نائب وزير الخارجية الروسي راياكوف، ومعه دبلوماسيون إيرانيون وأجانب، أكدوا أن لبنان، سيشهد انفراجاً جذرياً في أزمته الحالية، في حال أَقلعت سياسة التهدئة والمصالحة في الإقليم.
اللبنانيون، ومعهم الكثير من شعوب المنطقة، في مرحلة حبس أنفاس حالياً بانتظار نتائج الاختبار الدولي للسياسة الإيرانية الجديدة!

اقرأ أيضاً بقلم صلاح سلام (اللواء)

بين مبادرة الحريري والتزام نصر الله

مبادرة معراب.. نحو المراوحة القاتلة!

من انتخابات الرئاسة إلى مشروع التحالف ما هي بدائل أهل التعطيل..؟

تعثّرت في الداخل.. بسبب الانتكاسة في الخارج!

بالأمس «الفوضى».. واليوم «الانتحار»..؟

التيار العوني.. ومهاوي الفوضى القاتلة!

الأسير.. نهاية ظاهرة أم بداية جديدة؟

أنا.. أو لا جمهورية.. ولا لبنان!

مِن حَرْق الدوابشة إلى إعلان القاهرة هل يفيق العرب من سُباتهم..؟

المفارقة بين الاعتدال والانتحار!

لماذا التفجير المدمِّر للبشر والحجر..؟

عيد التحرير يفقد بهجته..

المصداقية الأميركية على محك القمة الخليجية

القبضة السعودية بمواجهة الجُموح الإيراني: كفى.. كفى.. كفى..!

ماذا بعد العجز السياسي المُتمادي..؟

التوافق لا يعني الإجماع.. ولا يتطلّب التصويت

جرأة الانتقاد.. وشجاعة الحوار!

المنطقة في زمن داعش: واقع ومفاوضات وصفقات!

المصريون عائدون…

الرئاسة: هل يبقى الوقود خارجياً.. والطباخون أجانب..؟