إعلام سوريا
سمير عطاالله (الشرق الاوسط)
6 مارس 2013
تطور الإعلام كسلاح تطورا جذريا عندما تحول من الكذب إلى الحقيقة. من غوبلز، وزير هتلر، إلى المصارحة. وذلك لأن الناس تطورت ووسائل المعرفة تقدمت وصار التلفزيون في كل بيت ومعه المراسلون وصورهم وصور الضحايا والموت. وكانت «الجزيرة» أهم ظاهرة إعلامية في القرن الماضي: محطة كبرى ومؤثرة تخرج من دولة صغيرة في العالم الثالث، وليس في أميركا أو أوروبا. وفي العالم الثالث لم تخرج من مصر، أو من لبنان، منشأ السوق الإعلامية العربية، بل من قطر.
عاد الطبيب بشار الأسد من لندن ليجد أن الإعلام في بلده لا يزال في عصر الراديو ولغة أحمد سعيد ولا وجود له خارج الحدود. ورأى أن إعادة النظر والهيكلة تحتاج إلى وقت فاتكل على الصداقات المتوافرة، ومنها قطر، ورفيق الحريري في لبنان، سواء من خلال ما يملك من مؤسسات أو من نفوذ في العواصم.
عندما وقعت الواقعة في سوريا، كان الرئيس السوري قد فقد رفيق الحريري وقطر. ثم ما لبث أن فقد الجميع. واضطرت مجلة «فوغ» إلى الاعتذار عن غلاف خاص حمل صورة أسماء الأسد كنموذج للحداثة. وبقي الإعلام السوري، بأدواته القديمة، يحاول عملا مستحيلا، وهو تغطية وتعمية حرب ضارية تدخل الآن عامها الثالث.
لم يتبلغ الإعلام السوري حتى الآن أن الإعلام الذكي قد دخل عصر الحقائق، وأن غوبلز وقوميسار الدعاية السوفياتي أصبحا لاغيين بل شيئا سقيما من ماضٍ سقيم. هناك لغة لم تعد في التداول، في أي مكان. وهناك مصطلحات وتعابير ومسرحيات وتركيبات لم تعد تعني شيئا لأحد في أي مكان.
آخر فصل في إعلام ما قبل الحداثة كتبه الدكتور محمد سعيد الصحاف ببلاغة وطلاقة مشهودتين. وطربت الناس لأوصاف سعيد الصحاف كما كانت تطرب لأوصاف أحمد سعيد. كلاهما أسقط من الطائرات العدوة ما يزيد على ما يملك العدو منها. لكن الحقيقة أطلت في آخر الخطاب. وعندما تساءل الرئيس الأسد في مقابلة «الصنداي تايمز» الأحد الماضي، ما إذا كان الطفل المقطع سورياً، أجابت «العربية» على السؤال بالصوت والصورة: صوت الطفل المقطع وصورته، بلا ساق أو ساعد.