بسّام برّاك… ترافعَ وترفّعَ فارتفعَ!

تبدّلَ مِنبري وما تبدّلَ مِنبرُك. أخطأتَ يومَ ظننتَ أنني برّأتُك بعدما جرّمتُك ذاتَ المِرار وما اعتبرت. يومَ كُتِب لكَ “المؤبّد” انبرَتْ يراعتُك فانبريتَ للإملاء وما عاد بارّون أو بُراء قادرين على منحك البراءة. أمّا وقد أمعنتَ في جُرمِك فشَكتك البرايا، نحيلُك إلى البارئ الذي به أقسمتَ تخفيفًا (وملَلهِ).

غريبةٌ حالُك يا رجل. غريبةٌ أيامُك التي تستوطنُها لغتُك وفيروزُك. غريبةٌ حدَّ الفُصامَين الفرديّ والجماعيّ. كيف لنِقابة تدافعُ عن عدالةِ الأرضِ أن تحتضنَك؟ كيفَ لمجرمِ اللُّغة أن يدافعَ عنها على مرأى من القضاةِ والمحامين والمتدرّجين؟ أمّا تجرّأَ أحدُهم على الاستئناف؟ أمّ التمييزُ منصوبٌ من جانبِك ومضمونٌ ظفرُه في مواضعِه شتّى؟

في الأمس القريب رافعتَ عن اللغة. أوكلتكَ هي محاميًا لها وعنها. شرّقتْك مصطلحاتِها فأشرقتْ لغتُك في يومٍ عاصف. ربّما هي السماءُ تبكي لغتَنا. لم تتسلّلْ عيناها إلى داخلِ صرحِك وداخلِك ودواخلِنا. لم تعلمْ أنّ في تلك النقابةِ جلسةً يُحاكَمُ فيها المقصّرون، يُحاسَبُ فيها ذوو اللّوثةِ من غير المختشين ولا المتبرقعين. لم تلمحْ عينا السماءِ الباكيتان محاميًا يقفُ بقانِيَيْ ربطةِ عنقِه ودمِه يدافعُ عن حقِّ ابنةِ السماءِ والأرض، يفرِدُ أدلّته دليلًا دليلًا وما أغرته الدالّة.

لم تدركْ عينا السماء ببرقِها الرافعِ أنّ في الداخل مظلومين رفعوا شكواهم إلى قاضي اللّغة، فرافعَ عنها ما استطاع حتّى بُحّت حَنجرتُه ومطرقتُه. رافعَ عنها أمام الجميع وعلى مرأى من الرّافع. رافعَ عنها وترافعَ بالحجّة فترفّع عن صغائر المتّهمين بتشويه وجهِها البسّام. رافعَ عنها فارتفعَ برفاعةِ صوته وبلا مِرفاعٍ إلى رِفعةِ السماء. هناك نظرَ في عينَي سماءٍ لا تجفّان، وهمسَ في أذنيها بحَنجرةٍ أضناها النداء: “أعدلٌ أن يُرفَع فاعلٌ وهو الجاني ويُتركَ المفعولُ به ضحيّةَ النّصب؟ ضحكتِ السّماءُ في غمرة بكائها الكانونيّ قائلةً: “هذه هي عدالةُ الأرض”… ما بدا الجواب مقنعًا لمحامٍ يتأبّط أدلةَ براءة “المفعول فيها” (اللغة)، فغادرَ هامسًا يُسخِطه استهتارُ السماء، مستحضرًا حلّاجًا لم يجدْ من يترافع عنه يوم إردائه: “لغتي لي. إن لم تكنْ لي فمن لي؟”.

الياس قطار – “الأنباء”